في ظل انعدام العدالة الاجتماعية و انتشار البطالة وتردي الظرف الاقتصادي في البلد، اصبحت التقاطعات المرورية ملتقى للفقراء، ممن يجدون نوافذ السيارات مفتوحة، أملا في الحصول على مساعدة مالية من السائقين أو الركاب، في الوقت الذي أغلقت فيه الحكومة أبواب الحماية الاجتماعية. وقد نتج عن ذلك توسع هذا المسلك في طريقة الكسب، حتى اصبح مصدر رزق شبه ثابت للكثيرين، يسدون بواسطته تكاليف معيشتهم، تاركين فكرة الحصول على عمل.
لا شك ان للبطالة وغياب معالجات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، اثرا سلبيا في توسع ظاهرة التسول في الشوارع والتقاطعات. كما ان الضعف الاداري الحكومي في رسم خطط الرعاية الاجتماعية و تطبيقها ساهم في تفاقم هذه الحالات، إلى جانب الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به البلد، والذي نتج عما صرف من أموال كبيرة في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، ناهيك عن استشراء الفساد الاداري في المؤسسات الحكومية، والذي عكس سياسة التفقير على المواطن. لذلك التجأ كل من عجز عن الحصول على وظيفة او فرصة عمل الى البحث عن لقمة العيش في الشوارع، لضمان حياته البسيطة. وقد ترتب على ذلك توسع الظاهرة وانتشارها وعدم اقتصارها على توفير ما يقع ضمن حدود الحاجة، بل تحولت إلى مهنة ومحل لكسب الرزق، يعيل المتسول و عائلته.
الملفت للنظر ان هناك بعض الوجوه المشتركة بين المتسولين، والتي تسببت في إفقارهم، من بينها ما نتج عن الإرهاب. إذ ان العديد من المتسولين كانوا قد فقدوا معيليهم، أو تعرضوا الى التهجير القسري من مناطقهم، أو تضرروا بسبب الصراعات الطائفية. فيما يوجد كثيرون منهم لا يقوون على مواجهة غلاء الأسعار وارتفاع بدلات الإيجار، في الوقت الذي تغيب فيه المعالجات الحكومية لحفظ عيش المواطن.
من جانب آخر فإن الفقر يمكن أن يدفع بالبعض من الفقراء نحو توجه أكثر خطورة من التسول. فهؤلاء مهيؤون في أي لحظة لسلوك طريق خاطئ، كأن ينظموا عصابات سرقة أو سلب، للحصول على المال، وسد حاجاتهم.
لذلك ليس امام الحكومة سوى ان تدرس هذه الحالة وفق آلية حقيقية، وتعيد النظر في قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل، للحد من الفقر، وضمان عيش المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، خصوصاً ان الحرب على داعش انتهت بالنصر، و ان الاموال التي كانت تصرف على السلاح في الامس يمكن ان تصرف اليوم على تحقيق العيش الكريم للمواطنين.