قبل أيام صعدت في سيارة أجرة من ساحة أم البروم ذاهبا إلى اتحاد أدباء البصرة. كان السائق يناور شرطي المرور ليزوغ منه ، لكنه وقع في قبضة آخر فقام بتسجيل رقم سيارته ، كونه صعّد ركّابا من الشارع مباشرة دون الدخول إلى المرآب . في تلك اللحظة دار حديث بين الركاب والسائق بعد أن سمعوه يشتم الشرطي. قال رجل عجوز : ابني، القانون يجب أن يحترم ، وعلينا أن نطبّقه كي تسير الأمور بالشكل الصحيح ! ردّ عليه السائق بطريقة غير لائقة. فأجابه العجوز : قبل أيام كنت في سيارة أيضا وحصل نفس الموقف، فظل السائق يسبّ قائلا : إنزل إضرب الضابط بالحذاء على رأسه. فقلت له : سأنادي على الضابط واضربه إذا استطعت. اخذ السائق بتغيير الحديث قائلا: أنت ما شفته شلون يحاسبنا ؟! تذكّرتُ ما قرأته عن الحضارات القديمة التي ازدهرت في وادي الرافدين ووادي النيل وغيرهما ، وكيف وضعت القوانين لحماية البشر من أنفسهم أصلاً ، وكيف إن ارتكاب الخطأ يجرّ عواقب وخيمة على الحياة الاجتماعية برمّتها. وقارنت بما جاء بعدها من قوانين أخرى وآلية العمل بها والتعامل معها من قبل الناس جميعا ، فوجدت الخطأ ليس في القوانين بل في تطبيقها وكيفية احترامها والتفاعل معها بشكل يخدم الجميع سلطة وشعباً. وعلى الجميع أن يعوا واجباتهم تجاهها بالشكل الذي يليق بهم كمواطنين حقيقيين من خلال التثقيف بها ومناقشتها والاقتناع كلياً . فاحترام القانون ثقافة ووعي، وعلينا أن نكون ملمّين بها بشكل محسوس وملموس!
نعم، احترام القانون ثقافة كبيرة تبدأ من أعلى الهرم وصولا إلى القاعدة ، وإلاّ ما فائدة أي قانون لا يطبّقه المسؤول أولاً ولا يحترمه ؟!
هذا ما يحصل كثيرا عندنا بالذات حيث نجد انّ أول من يخرق القانون هو المسؤول ورجل القانون ذاته. فالمحسوبية والاخوانيات والواسطات والرشوة والفساد والتعالي على تطبيق القانون، كلها تجدها عند المسؤول، وبالتالي تجد المواطن البسيط لا يفهم معناه وكيفية التعامل معه حتما !
القوانين التي توضع .. علينا أن نحترمها ونطبّقها بالشكل الذي يحفظ هيبتها ، لا أن نخرقها ونطلب من الآخرين التطبيق !
كيف يتقيّد المواطن البسيط بقانون يخرقه رجل الدولة أياً كان منصبه ؟!
قوانين المرور يخرقها المسؤولون وحماياتهم والكلّ يعرف ذلك ، فكيف نطلب من سائق بسيط أن يحترمها ؟!
وغيرها الكثير طبعا. لهذا يتوجب علينا أن نعي مسؤوليتنا الحقيقية تجاه القوانين ونطبّقها أولاً ثم نطلب من الآخرين تطبيقها ، وان نشيع ثقافة احترامها لأنها تعكس الوجه الحضاري المزدهر لثقافة البلد قبل كل شيء!
إننا نخرق القانون بعدم معرفتنا الحقيقية أن تطبيقه واحترامه بحد ذاته ثقافة ووعي كبيران والحديث ذو شجون لا يتّسع المكان له !