شكّل التاسع من نيسان العام 2003 في ذاكرة العراقيين، فاصلا بين عهد ديكتاتوري متفرد في بطشه، وبين عهد تعشموا أن يكون البديل الذي طالما حلموا به. وبين ذلك الحدث المدوي ويومنا الحاضر خمسة عشر عاما، يعيش فيها شعبنا مفارقات من كوميديا سوداء:
• فجميع القوى المتنفذة تتبرأ من المحاصصة الطائفية والقومية قولاً، فيما تستقتل في الحفاظ عليها، وشعارها (باقون الى الابد)!
• والحكومات الخمس التي تعاقبت على السلطة، شكلت لجاناً لا حصر لها، للتحقيق في فضائح وجرائم دمرت البلاد وأرهقت العباد، لجاناً أزلية، سرمدية المهام، لا تتوصل لشيء ولا تنتهي أعمالها أبدا!
• حكام يعترفون في قرارة أنفسهم بأنهم فاشلون وعاجزون، لكنهم يصّرون على المضي في قيادة البلد من فشل الى آخر وبحماس لا يحسدون عليه. ومسؤولون سلموا ثلاث محافظات عراقية بقضها وقضيضها وبمالها وسلاحها الى "داعش"، يبقون طلقاء ودون اية مساءلة، بل تراهم يرعدون ويزبدون وهم يتحدثون عن وحدة البلد وسيادته وعزته، وعلى عينك يا مواطن.
• وعلى الضفة الأخرى (هل هي اخرى؟) لا يمثـُل جورج بوش الابن وتوني بلير وحلفاؤهم قادة غزو العراق وتدميره دون أي سند قانوني، امام العدالة لغاية اليوم.
• فبلدنا يحتل بلا حسد، وبفضل مسؤولية حكامه المتنفذين، المرتبة 169 في قائمة مؤشرات الفساد في العالم من أصل 180 بلدا في القمة منها الصومال.
• وتحتل بغداد مركز الصدارة في قائمة أسوأ المدن التي يمكن العيش فيها، حسب تصنيف أصدرته
Mercer" " التي تعد واحدة من أكبر شركات استشارات الموارد البشرية في العالم.
• ووصل حجم الأموال العراقية المفقودة " إقرأ: المنهوبة" أكثر من 300 مليار دولار! هواية مو؟
• وفيما تتجاوز معدلات البطالة حسب وزارة التخطيط 33,4 % بين الشباب فقط لا غير، يتجاوز عدد الأرامل المليونين.
• أحزاب وشخصيات صدعتّ رؤوس الناس بحرمة المدنية، فصّلت بلا حياء بدلات مدنية، لترتديها في أيام الانتخابات عسى أن تستر عورات فشلها، لاسيما والستر من مكارم الأخلاق!
• وفي بلد يعتمد كلياً على بيع النفط، أوصل المتحاصصون الفاسدون عدد أيام العطل الى 150 يوما، عدا أيام العطل الممنوحة من قبل بعض المحافظات الوسطى والجنوبية والتقريم الذي تتعرض له ساعات العمل في شهر رمضان، حتى لا يتجاوز وقت العمل يومياً 20 دقيقة، نعمة فضيلة.
• نواب الشعب - إذا ما حضروا الى مبنى مجلس النواب – يكتفون بالجلوس في الكافتيرا بانتظار أوامر قادة كتلهم واحزابهم بمقاطعة الجلسات، او عند حضورها للتصويت بلا.
• "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" والتي كان يمكن أن يرمز لها بكلمة "معمل"، حسب حروفها الأولى، وأن تكون معملاً لتشييد عراق ديمقراطي جديد، إفتضح زيف إستقلاليتها تماماً مما افقدها هذا الرمز. فقبيل الانتخابات النيابية تشتد على مرأى ومسمع المفوضية، حملات شراء الأصوات، وتتحجم الرشاوي وتتحول من قطعة ارض او تجاوز القرعة في الحصول على مقعد الحج، او صوبة نفطية، او بطانية الى توزيع دجاجة مجمدة فقط.. عوافي.
• وفيما كانت حرية التعبير والصحافة منجزا تفاءل به العراقيون خيرا، فان بلادنا تحتل اليوم، وفقا للجنة حماية الصحفيين الدولية، المركز 156 من أصل 180 في مجال حرية الرأي والصحافة جراء مقتل واختفاء المئات من الصحفيين والمبدعين.
التاسع من نيسان.. كم من أحلام تحطمت، وكم من آمال وئدت، وكم كان سليما شعار "لا للحرب .. لا للدكتاتورية"، الذي رفعه الشيوعيون وغيرهم من الوطنيين عشية غزو 2003 وبعده، وأثبت 15 عاما مضى صوابه.

عرض مقالات: