منذ سقوط النظام، وإعتماد المحاصصة الطائفية والحزبية، كقانون أساسي في بناء العملية السياسية، وعامل الثقة بين أطرافها ينحسر تدريجياً، بل يتدحرج نحو الأسفل، مثل كرة الثلج التي يزداد حجمها كلما إقتربت من القاع.
ورغم المحاولات العديدة لترميم جسورها، وهي التي استقرت في القاع، منذ أمد طويل، لم تفلح ولو بقدر محدود في استعادة عافيتها، لان هذه المحاولات، كانت وما زالت تفتقر إلى الجدية والى صدق النوايا.
وهذه النتيجة متوقعة تماماً، فالتمسك بسياسة المكونات، والتعامل مع الدولة وموازناتها السنوية كغنيمة، يجري تقاسمها بين القوى والكتل المتنفذة، وما يستتبع ذلك، من فساد مالي وإداري، وإسناد المسؤوليات إلى عديمي الكفاءة والنزاهة، لأنهم ينفذون ما يريده الكبار، هذا كله لابد وأن يؤدي في المطاف الأخير، إلى إضعاف الثقة المتبادلة، ومن ثم فقدانها كلياً، كما هو الحال في الوقت الحاضر.
ومن أجل إعادة إقتسام الكعكعة بين آونة وأخرى والسعي لتأبيد بقائهم في السلطة، تشتد الصراعات العبثية بين المستحوذين على المال العام، وتعلن أحياناً مشاريع عنوانها الأبرز المصالحة الوطنية، أو القيام بإصدار مواثيق شرف يتم خرقها قبل أن يجف حبرها، وبالتالي تخضع العملية برمتها للمزايدات السياسية، والمساومات، والصفقات التي تبرم خلف الأبواب الموصدة.
ميثاق الشرف الأخير (وثيقة النزاهة الانتخابية)، الذي إتفقت عليه القوى والأحزاب السياسية، وتمّ إنضاجه خلال ستة أشهر كما يقول معدّوه، تضمن بنوداً وفقرات، لو طبق عشر معشارها على أرض الواقع، لكانت إنتخاباتنا البرلمانية القادمة، مثالاً للنزاهة، وليقظة الضمير، وإحترام إرادة الشعب.
إن عدم إستخدام المال السياسي، وعدم إستغلال الموقع الوظيفي، وتحريم الرشا للمحتاجين وقليلي الوعي، وإدانة المحاصصة الطائفية، وتوفير الخدمات الضرورية لأبناء الشعب، دون تمييز على أساس الدين أو المذهب، أو القومية، أو العشيرة، والالتزام بقرارات وتوصيات المفوضية العليا "المستقلة" للانتخابات، ورفض خطاب الحقد والكراهية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وغيرها الكثير، مما ورد في الميثاق، يجسد المطالب العادلة والمشروعة لجموع العراقيين، فضلا عن إرتقائها بسمعة بلدنا، الذي نريد له أن يكون ديمقراطياً، وأن يكسب إحترام العالم كله.
لكن التجارب السابقة، سواء ما تعلق منها بالمصالحة، أو بمواثيق الشرف الاخرى ذات المضامين الجيدة، والملبية لطموحات الشعب العراقي لو طبقت فعلاً، كانت تجارب مريرة بمعنى الكلمة، لأنها غير ملزمة وتنقصها آليات التنفيذ، الأمر الذي وفرّ الفرصة للتنصل منها، وعدم الالتزام بأي بند من بنودها، حتى وإن إدعت الأمم المتحدة، أنها الضامنة لتطبيق ما ورد فيها.
فخطاب الكراهية والحقد والانتقام، من قبل "الكفيشي" و "صباح شبّر" وغيرهما يتناقض كلياً مع ما ورد في ميثاق الشرف، كما إن إستغلال فقر وبؤس الناس البسطاء، وشراء بطاقاتهم الانتخابية مستمر على قدم وساق، والأمر ذاته في الدعاية الانتخابية المبكرة، دون أن يتمكن القضاء العراقي أو المفوضية أن يفعلا شيئاً للذين يخرقون القانون، أو الذين يزوّرون إرادة الناخبين.
الحل الامثل ليس في ميثاق الشرف، وإنما في المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات، وكنس الفاسدين والفاشلين والمزورين.

عرض مقالات: