الشريحة الاكثر تضررا في المجتمع العراقي هي شريحة المتقاعدين، الذين افنوا زهرة حياتهم في خدمة مؤسسات الدولة وبلدهم وشعبهم، حتى اصبحوا كهولا لا يقوون على تقديم خدمات صعبة أكثر مما قدموه في مرحلة الشباب. فانحنت ظهورهم، وغزا الشيب رؤوسهم، وأنهكتهم الأمراض المزمنة!
فالمتقاعدون يعدون من بين الشرائح الاجتماعية الأكثر استحقاقا للاهتمام والثناء والتقدير، لما بذلوه من عطاء متميز طيلة فترة عملهم في دوائر الدولة، إلا انهم وبعد كل هذا وذاك تقاعدوا بمرتب بسيط جدا لا يسد متطلبات حياتهم، وحاجات عائلاتهم التي تعاني اليوم شظف العيش والعوز والفقر.
كانت الادارة العامة للبنك المركزي، قد وجهت تعليمات إلى مصرفي "الرشيد" و"الرافدين"، بشأن توزيع سلفة المتقاعدين البالغة 3 ملايين دينار عراقي - وهو مبلغ بسيط جدا ازاء ما يمر به البلد من ظروف اقتصادية صعبة وغلاء معيشي يتصاعد باستمرار - وكان على المصرفين أن يلتزما باتباع تلك التعليمات، من دون تحريف أو اجتهاد شخصي. ومن بين ما ورد في تلك التعليمات، إلغاء شرط الكفيل الضامن، أي أن يتم تسليم مبلغ السلفة للمتقاعد عن طريق بطاقة "كي كارد" فقط، لا أن يطالب باستدعاء كفيل مثلما كان معمولا به في منح السلف السابقة. وقد التزم مصرف الرافدين بتلك التعليمات، لكن مصرف الرشيد لا يزال يصر على عدم منح مبالغ السلفة للمتقاعدين، إلا بعد تنفيذ شرط جلب الكفيل، الأمر الذي تسبب في إرباك المتقاعدين المسجلين لدى المصرف. وهذا مخالف للضوابط والتعليمات التي اصدرتها الادارة العامة للبنك المركزي.
أتساءل أنا والكثيرون من المتقاعدين عن دافع هذا الأسلوب الذي يتعامل به مصرف الرشيد مع شريحة لا تمتلك من حطام الدنيا سوى راتب بائس لا يسد حاجتها. فما الداعي لتلك الاجتهادات المخالفة للتعليمات، والمعرقلة لعملية تسليم السلف التي رغم قلة مبالغها، يحتاج إليها المتقاعدون كثيرا لحل قسم من مشكلاتهم الاقتصادية!؟ وأين البنك المركزي من هذه الإجراءات التعسفية التي تخالف تعليماته؟
يلتمس المتقاعدون المسجلون لدى مصرف الرشيد، من الإدارة العامة للبنك المركزي، اتخاذ إجراءات مشددة بحق المصرف المذكور، وإلزامه بتنفيذ التعليمات كافة. فشريحة المتقاعدين لا تستحق كل هذا العناء، ولا ينبغي أن يتعامل مصرف الرشيد معها بهذا الأسلوب المجحف.