لعل من نافلة القول ان من حق الاحزاب السياسية ، بل وفي صلب مهامها وواجباتها ، ان تتبنى مطالب الناس وقضاياهم وتدافع عنها وتسعى الى تحقيقها بكل الوسائل المتاحة ، وفي راهن الحال الوسائل السلمية والدستورية. وبالنسبة الى الاحزاب الوطنية الأصيلة المنحازة الى المواطن وطموحاته المشروعة ، فان هذا لا يرتبط بوقت وزمن محددين او بحدث معين.
فعندما اندلعت التظاهرات الكبيرة والحاشدة في شباط ٢٠١١ ببغداد ، لم تأت ارتباطا بإجراء انتخابات بل كانت تعبيرا عن رفض شعبي جماهيري واسع لما آلت اليه الأمور في بلدنا ، وعن تحميل الكتل المتنفذة مسؤولية ذلك ، وان الشرارة التي أطلقت هذا الحراك كانت سوء الخدمات وترديها ،وتخلي الدولة عن دورها في هذا الميدان.
وليس سوء الخدمات سوى مظهر صارخ لسوء الحال والتدهور الحاصل في الحياة العامة وتردي الأحوال المعيشية ، وللفشل الذريع في الادارة والمنهج ونمط التفكير وعبث التصرف بالمال العام واستشراء حالة الفساد . ألم تقل التقارير الدولية مثلا ان بغداد هي اسوأ عاصمة للعيش؟! وعندما يتم الحديث هنا عن الفشل ، فهو يخص جميع الكتل والأحزاب التي تولت حكم البلاد وهيمنت على ناصية القرار السياسي والاقتصادي والمالي والامني. وهو فشل لها باعتبارها كتلا واحزابا سياسية حاكمة ، وليس كونها تمثل دينا او مذهبا او قومية او طائفة معينة. ولا علاقة لتأشير هذا الفشل ، لا من بعيد ولا من قريب، بمعتقدات الناس وانحداراتهم الدينية او القومية. لكن البعض يتعمد الخلط هروبا من استحقاقات الاعتراف بالفشل والتنحي جانبا ، وعدم عرقلة عملية التغيير التي أصبحت مطلوبة ، خصوصا وان الناس تعيش المأساة بجوانبها المتعددة يوميا وهي ما برحت تتفاقم مع ارتفاع نسب البطالة وندرة فرص العمل ووقف التعيينات في مؤسسات القطاعين العام والخاص ، وارتفاع معدلات الفقر .
فقبل السؤال عن جنس الملائكة ، ومن يقف خلف هذا الاحتجاج وذاك التحشد الجماهيري والاعتصام ، فان من واجب من بيده السلطة والقرار ان يسأل نفسه عن الأسباب والدوافع التي تجعل المواطنين يندفعون الى الشوارع والساحات العامة، وأن يتمعن في جوانب الخلل في اداء مؤسسات الدولة ، سواء المحلية اوعلى صعيد الإقليم والحكم الاتحادي ، ومدى القصور الحاصل فيها .
ان النعوت التي يطلقها المتنفذون من كل الألوان على اي حراك جماهيري سلمي ، لا تنتقص منه ولا تعني عدم شرعيته ، وانما تعكس هلع الحكام من نهضة الشعب ومطالبته بحقوقه. وفي هذا السياق نتذكر جميعا ما قيل في حق المحتجين في شباط ٢٠١١ وما بعده. ألم يُقل عنهم أنهم بعثيون ومن زمر النظام المقبور وإرهابيون و .. و..؟! وقد استخدمت ضدهم كل الأساليب القمعية بما في ذلك الرصاص الحي ، فسقط شهداء بررة ، فيما الداني والقاصي يعرف هوية واهداف هؤلاء المحتجين ، الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه فخرجوا مطالبين بالحد الأدنى الضروري للعيش في بلد تبلغ موازنته مليارات الدولارات!
فما هي الخدمات التي تتوفر للمواطنين حتى يطلب منهم ان يسكتوا ، ولماذا يراد لهم ان يتجنبوا الكشف عن المتلاعبين والفاسدين؟! فالمواطنون عندما يفعلون ذلك هم بالضبط ينسجمون مع ذواتهم وتطلعهم الى حياة اخرى مختلفة. ومن هنا جاءت المطالبة المحقة بالإصلاح والتغيير.
ولذا ليس مستغربا ان يقوم من يقف على رمال متحركة من المتشبثين بالسلطة والمتدافعين على مقاعدها الوثيرة، بكل ما يستطيع للحفاظ على المغانم والمكاسب والامتيازات .
ان الناس تريد الأمان والاستقرار والحق في الحياة والتعليم والصحة والكهرباء والماء الصالح للشرب والنقل والسكن المناسب والضمان الصحي والاجتماعي وفرص العمل وعدم التمييز والحياة الحرة الكريمة ، أي انها تريد أوليات الحياة. فكم منها متوفر اليوم ياترى؟!
هذا هو السؤال الحارق الذي سيظل يلاحق الحكام السابقين والحاليين والقادمين ، وهو معيار أساس لمدى النجاح والفشل!

عرض مقالات: