اغلب أن لم يكن جميع جيلنا الكروي الحالي، مروا او عرفوا حد الاحترام قدرات المدرب داود العزاوي، الذي قضى ستين عاما في الملاعب مذ دخلها مدرسا للتربية الرياضية في المحاويل بداية ستينات القرن المنصرم وما زال – بحفظ الله - يجود عطاء وحضورا للكرة العراقية التي تمر بأزمة يمكن أن نسميها أزمة انتماء.. حيث تغيرت الأحوال خصوصا بعد نيسان 2003 منهية  عصر التفرد والاستبداد والتطلع نحو عراق جديد، كنا نتمنى أن يكون كل شيء فيه متجاوزا سلبيات أيام أسميناها عقيمة وجافة.

في حفل تكريم العزاوي الذي أقامته المنظمة العراقية للتنمية الرياضية بالتعاون مع الملتقى الرياضي بالقشلة، ذكر العزاوي أسباب تفوق كرتنا سابقا، فقال: (كانت الرياضة المدرسية، تشكل رافدا أساسيا مهما للمنتخبات والأندية العراقية لنجوم يفلترون بمنظومة، تبدأ بفريق الصف، ثم ينتقل الى فريق المدرسة باختيار مدرب كفء، ثم يذهب الجيد إلى منتخب المديرية، وفقا للجنة فنية أعلى، ثم يتأهل إلى منتخب المحافظة تحت أشراف مختصين بالمواهب، ثم يجد نفسه مع المنتخب المدرسي الذي كان له انجازات وصيت آنذاك.. ثم تفتح له دروب الأندية والمنتخبات كافة) مضيفا (أن اختيار اللاعبين لا يتم بعشوائية او محسوبية، فالانتقاء الصحيح يؤدي إلى إنتاج صحيح) ثم كانت هناك روافد أخرى مثل الجيش والشرطة والجامعات وبطولة الجمهورية والفئات العمرية..

في مداخلة كانت تحتبس فيها النفوس بين التلميذ ومعلمه، اعتلى شيخ المدربين انور جسام المنصة محتفيا بمدربه الوالد العزاوي كما سماه فقال (أن داود العزاوي كان شعلة وطنية تعمل للعراق والرياضة بلا مقابل، يصرف جل وقته وصحته وحتى ماله الخاص في سبيل اللعبة، هو من علمنا أن التدريب يبنى على ركائز لا مناص ولا محيص منها (التربية ثم التعليم ثم التدريب) عند ذاك فقط يمكن أن ننتظر جيلا رياضيا وطنيا منجزا).

حينما دخلت جيوش نابليون برلين عام 1806، انهارت ألمانيا حد الإحباط، ووقعوا صلحا مذلا، راح قادتها يبحثوا عن الانعتاق ، فتم تشكل لجنة برئاسة شارنهوست، أخذت على عاتقها إصلاح المؤسسة العسكرية، لم تمض عقود حتى تسيدت ألمانيا أوربا  بقيادة العبقري مولتكة، رئيس هيئة الأركان الألمانية الذي كان يمثل احد طلاب لجنة الإصلاحات ونتاج إبداعها.. وأراد التقاعد حين بلغ الستين عاما، لكن الملك أصر على ضرورة بقائه، إيمانا بمبدأ الإصلاح وتطويره، فلم يتقاعد مولتكه الا بعد ان بلغ 88 عاما. وقد تساءل المؤرخ العسكري ليدل هارت عن أسباب التفوق وهل هو مرتبط بالجنس الألماني، لكنه بعد الدراسة والتمحيص توصل الى ان التفوق كان مؤطرا بالمؤسسة وليس بالإفراد، فان المصلحين انشؤوا مؤسسة على أسس مهنية رصينة كانت كفيلة بإحراز التفوق.. هنا يكمن سر التفوق المؤسساتي على العمل الفردي والعشوائي.

الدكتور كاظم الربيعي على منصة الحفل، قال: (كنا نرى أيام زمان بكل محافظة أشخاصا عاملين لآجل الرياضة بعيدا عن أية مصالح شخصية وقد كتبوا تاريخ محافظاتهم الرياضية وساهموا في بناء رياضة العراق حقا وفعلا)، حينما حان دوري في الحديث، لم أتطرق الى المحتفى به، فالمعروف لا يعرف، بل تحدثت عن أيام عز الرياضة والبناء والإيثار والاجتهاد والإخلاص.. ثم ختمت قائلا: ( كلما أرى الرمز داود العزاوي يجتهد في العمل ويصارع الزمان معتليا صهوة عقده السابع او الثامن او التاسع...، اشكر الله واثني عليه، وأتذكر أننا بخير وحتما في نهاية النفق العراقي ضوء ، لا يمكن أن يخمد مهما  ساءت الظروف وتعقدت الأيام وتوالت المحن.

 

عرض مقالات: