الادارة الاقتصادية الناجحة هي الجهة المسؤولة عن اداء العمل الكفء  وجمع الموارد الاقتصادية ومن ضمنها الموارد البشرية، من اجل اشباع الحاجات الاجتماعية وبناء دولة قوية متينة في قاعدتها الاقتصادية،  لهذا تعد الادارة الاقتصادية من هذه الزاوية من اهم الانشطة الانسانية التي تمارس في اطار الدولة، ما يعكس تأثيرها الايجابي الفعال على كافة نواحي الحياة لارتباطها المباشر بالشؤون الاقتصادية.

  وانطلاقا من هذا يبرز السؤال  الاساسي ومؤداه: هل نهضت الادارة الاقتصادية في العراق بعد التغيير في عام 2003 بمسؤوليتها في تسيير العملية الاقتصادية كما اريد لها مجتمعيا في تجاوز الكوارث التي ورثها لنا النظام المقبور بصورة اطلال يلفها الحزن بسبب حروبه الهوجاء؟ .

لقد كان امام الحكومات الجديدة التي تشكلت عبر مخاض عسير  معايير مبهمة  عن عملية اعادة اعمار العراق وايجاد الحلول الرشيدة لمشاكل مستحكمة تواجه البلاد وتحدد مصيرها اللاحق على المستويين  الاقتصادي والاجتماعي. وكنا  نحن المتابعين للشأن الاقتصادي نستحضر في اذهاننا صورة التطور المذهل في دول مثل ماليزيا وسنغافورة، ومقارنته  بما  يجري عندنا،  سواء ما يتعلق بنظام التعليم الذي تترنح مناهجه بارتباك شديد في منظومة مفاهيمية غامضة،  والناس تلاحقهم الامية التعليمية والامية الحضارية،  وخدمات صحية متردية.  وكان على هذه الحكومات ابتداء تحريك عجلة الانتاج من خلال اعادة تأهيل المصانع المتوقفة وتنشيط القطاع الزراعي المتخلف لدرجة ان البلاد اخذت تستورد الفجل والشلغم، فضلا عن قضية السكن التي تتعسر كلما ازداد عدد السكان واتسع نطاق الانشطار العائلي وظاهرة الفقر  المنتشرة في المدينة والريف  التي تجاوزت نسبة 30 في المائة  من مجموع السكان، مع ضرورة العمل على توفير الرعاية الاجتماعية لهذه الطبقة المتعبة.  ولا تفوتنا الاشارة  الى الضعف الكبير في بنية القطاع الخاص وضياع معظم منظوماته الاقتصادية بسبب النهب وقدم ادوت انتاجه امام تصاعد الثورة التكنولوجية الحديثة وتماهل الدولة في عدم تمكينه من اداء دوره الاقتصادي.

 ان عرض هذه المشكلات بهذه العجالة مبعثه الإشارة الى عجز الحكومات المتعاقبة عن وضع الحلول الكفيلة بحلها.  وعلى الرغم من كل ما قيل عن المحاصصة والفساد ودورهما في فشل السياسات الحكومية متمثلة بفشل كافة الخطط الاسترتيجية الخمسية، بما فيها الخطة الخمسية  لمكافحة الفقر، فان هزال الادوات والمنظومة المفاهيمية لإدارة الاقتصاد الوطني على المستوى الكلي او المستوى القطاعي وفشلها في ادارة وتعبئة الملايين من الموظفين في اداء دورها في تحريك عجلة الاقتصاد بسبب قلة الخبرة وضعف الكفاءة والولاءات الحزبية الضيقة والفساد،  حتى اصبح ما تقدمه هذه الكتلة البشرية من عمل لا يزيد في احسن التقديرات عن خمسة عشر دقيقة في اليوم،  وتتحمل الادارات في مختلف المستويات مسؤولية الهدر المالي في هذا المجال، هي السبب الاهم   في كل هذه الاخفاقات المتعاقبة.  مما يتطلب اتخاذ موقف جاد من ظاهرة الترهل الاداري عبر سلسلة من الخطوات نذكر منها على سبيل المثال:

1- قيام الحكومة بإعداد دراسة متكاملة عن الوظيفة العامة والعمل على  انجاز الاصلاح الاداري، وقد بدأت به منظمات امريكية وانتهت بالفشل، والبدء بوضع خطوات تشريعية منظمة حركة  الملاك في وزارات الدولة، واتباع اجراءات حازمة لاشغال الوظيفة العامة، تاخذ في الاعتبار المؤهلات العلمية ومستوى الخبرة للمتقدمين وفلترتها بدون تدخلات السياسيين الفاسدين.

2- التعجيل بتفعيل قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي المجمد حاليا،  وتخطي الاسباب غير المبررة لتعطيل تنفيذ هذا القانون، لان مجلس الخدمة كما عهدناه يقوم بفلترة المتقدمين للخدمة العامة عبر اختبارات علمية، وهذا من شانه ان ينعكس ايجابيا على المؤسسات التعليمية لإعادة النظر بمناهجها واساليبها التدريسية بصورة غير مباشرة.

3-  اعادة الحياة الى المركز الوطني للاستشارات والتطوير الاداري الذي كان له دور مشهود في تطوير مهارات العاملين واغناء خبراتهم الادارية وتهذيبها مما علق بها من الاسفاف الفكري المفهومي في ادارة العمل. ومن الممكن استقدام اساتذة اكفاء للتدريس في هذا المركز دون الحاجة الى الإيفادات السياحية غير النافعة.