اكدت التجربة العالمية بما فيه الكفاية ،ان التنمية المستدامة ليست فكرة تجريدية حالمة تطوف في فضاء غير منظور بل هي عملية اقتصادية اجتماعية مستمرة لها ابعاد اجتماعية انسانية تقوم بانجازها قوى انتاجية بشرية مسلحة بادوات العلم ومخرجاته من الابتكار والتكنولوجيا على اساس قاعدة استثمارية واضحة الاهداف واقتصاد متوازن .
فالتنمية المستدامة جرى ادراجها في البرامج الحكومية المتعاقبة ولكن على الورق بشأن تشجيع الاستثمار بوصفه الدعامة الرئيسة لتحقيق هذه التنمية.
صدر قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وتعديلاته متضمنا ميزات هائلة للمستثمرين لم تتوفر في الكثير من قوانين دول المنطقة وربما كان في ذهن المشرعين والاجهزة التخطيطية ان هذا القانون سوف يحل عقدة الاستثمار .
لكن ما جرى ان تلك البرامج الحكومية قد تناسى مصمموها عاملين اساسيين في تنشيط عملية استثمارية متنامية هما الاستقرار السياسي والاستقرار الامني اللذين كانا وما زالا مصدين امام دخول رأس المال الذي يتميز في العادة بالخوف والتردد اللذين يمنعان تحقيق الارباح والتوسع في المشاريع. ان الارهاب الذي فرض هيمنته على خمس محافظات عراقية وشرع قوانينه الظلامية وعطل المشاريع الحكومية سواء الخدمية او مشاريع الطاقة، قد اسهم في قسط وفير في تدعيم النظام السياسي الطائفي القائم على المحاصصة وتوزيع المكاسب على حساب مصلحة الوطن والمواطن، وقد هيأ كل الظروف لانتعاش الفساد المقنن وهدر المال العام وخلق الاجواء الطاردة للاستثمار وتعطيل الخطط التنموية الخمسية التي كان من الممكن ، لولا عدم توافر هذين العاملين، أي عامل الاستقرار السياسي والامني، تحقيق قاعدة اساسية للتنمية والتخفيف من الازمة الاجتماعية التي لازمت السياسات الحكومية الفاشلة.
ولم تتوقف التحديات عند هذين العاملين ومخرجاتهما بل ازدادت توسعا فان التركيز على القطاع النفطي في الاستثمار ابعد الحكومات المتعاقبة عن الاهتمام بالقطاعات الانتاجية الاخرى من حيث التمويل والمتابعة فتعطل من جراء ذلك 6 الاف مشروع مما ادى الى خلق ازمات اقتصادية واجتماعية بنيوية ما زالت آثارها تضرب اركان المجتمع وتشكل ملاذات للفاسدين. فالموارد النفطية تشكل 40 الى في المائة من الانتاج المحلي الاجمالي وهيمنة الصادرات النفطية على 90 الى 98 في المائة فيما كانت الايرادات الحكومية تشكل من 85 الى 95 من ما تشكل بمجملها مشكلة مركبة يواجهها الاقتصاد العراقي، يضاف الى هذه التحديات ضعف القطاع الخاص وعدم قدرته على لعب دور في عملية التنمية فضلا عن تدهور التعليم والصحة وتاثيرهما السلبي على تنمية الموارد البشرية فضلا عن ضعف دور الجهاز المالي والمصرفي في تنشيط عملية التنمية وهناك مؤشرات على تناقص دور الاستثمار المباشر فقد انخفضت قيمه من 8 مليون دولار في عام 2015 الى 6 مليون دولار في عام 2016 مقارنة بدوره على المستويين العربي والعالمي .
من هنا تنهض الحاجة ماسة الى اعادة النظر في كل هذه الاجواء والتحديات التي تقف حائلا امام تنشيط حركة استثمارية متعددة الاطراف عبر التوجه الى رسم سياسات جديدة في عملية متكاملة تشارك فيها كافة منظومات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية فضلا عن حركة اجتماعية واسعة ووضع منظومة من الحلول منها:
1.
التركيز على الاستثمار المباشر المشترك لما له من فوائد وخاصة في نقل التكنولوجيا والخبرات الفنية العالية وتطوير الخبرة للعراقيين مع حفاظ الدولة على استمرارية المشاريع المقامة على اراضيها وهذا بدوره يتطلب توفير الخبرات المحلية الكافية لتعزيز مبدأ المشاركة في خدمة الاقتصاد العراقي .
2.
توجيه الاستثمارات الخارجية المباشرة في القطاعات الاقتصادية ذات الابعاد الاستراتيجية والمهمة للمجتمع كالسكن والطاقة والسياحة والزراعة واطلاق التشريعات التي تنمي دور القطاع الخاص مستقلا او شريكا مع القطاع الحكومي او الاجنبي .
3.
العمل المتواصل كجزء من المنهاج الحكومي لتحقيق المصالحة الوطنية والعمل على المستوى الداخلي والاقليمي لايجاد مناخ امني وسياسي دائم الاستقرار مع ما يرافقه من ايجاد التشريعات المناسبة لتحقيق اجواء ملائمة لعملية الاستثمار والتنمية الاقتصادية مع المضي في تحقيق الحوكمة والقضاء على الروتين الحكومي الضار .

عرض مقالات: