للمرة الرابعة يتأجل عرض الوزراء الثمانية على مجلس النواب ليحصلوا على الثقة. وليس حسم اختيار مرشحي وزارتي الدفاع والداخلية هو العائق الوحيد مع انه الأهم، فهناك ايضا الجدل الذي يدور حول تنوع التمثيل، الى جانب الصراع بين القوى المتنفذة على حصة كل منها من وزارات التخطيط والهجرة والعدل والتربية والتعليم العالي والثقافة.
ويبدو ان حسم هذا الجدل حول الوزارات الست ممكن، ومعه إيجاد صيغة تفاهم، لكن يبقى الاختلاف قائما حول الرؤية التي على أساسها تتم تسمية مرشحي الوزارات الأمنية .
وليس متوقعا التوافق على صيغة ترضي الوجهتين، وجهة تحزب الامن ووجهة استقلاليته.
وإذ يصر أصحاب وجهة استقلالية الوزراء الأمنيين على رؤيتهم، انطلاقا من إدراكهم ان تحزيب الامن يناقض فكرة بناء مؤسسات أمنية تنال ثقة المواطنين، وتؤدي واجبها الوطني دون تحيز لحزب الوزير، ولا تكون مرتعا لنفوذه، وتصبح وفق مؤسساتها الامنية اقرب للمليشيات منها الى مؤسسات دولة امنية رصينة.
ان الإصرار على اختيار وزراء امنيين وفق معايير المواطنة والكفاءة والخبرة والاستقلالية، ينطلق من فهم عميق لأهمية هذه الوزارات في حفظ الامن وفرض الاستقرار وحماية المواطنين والمؤسسات. وهو يعد خطوة أساسية لإعادة بناء مؤسسات الدولة وفق مبدأ المواطنة، وتنظيم تعاملها مع المواطنين.
ان نظرة سريعة الى تجربة الوزراء الأمنيين الحزبيين، كافية لتأكيد ان الريبة والشك في استقلالية الوزارات عن احزابها هي السائدة، وهذا لا يمنح المواطن الاطمئنان الى حياديتها.
ان التمترس وراء فرض شخصية بعينها لا يعني الا صناعة ازمة سياسية أخرى، في وقت ينبغي فيه على الكتل السياسية إيجاد مخارج لأزمات النظام التي استفحلت. ولا يوجد أي مسوغ مقنع للتمسك باسم معين لتولي هذه الوزارة او تلك، فهو ليس سوى امعان في ترسيخ الهيمنة، ومد النفوذ على حساب مشروع الإصلاح والتغيير الذي يتطلع اليه الشعب العراقي. ان من غير المعقول فرض مرشح واحد لكل وزارة، وتعطيل استكمال الحكومة، فيما لا بد من انهاء التكليفات بالوكالة في بلدنا الذي لا يشكو من قلة الكفاءات، بل يزخر بها.
لا مناص لنا من الاستفادة من التجربة المريرة التي عشناها، ومن خبر الدول التي عاشت الانقسام والصراع. ولا بد من الاسترشاد بخزين الفكر السياسي والمعرفة، التي لخصتها الشعوب في مراحل مختلفة من تطورها. وطبيعي أن تطور أمن أي مجتمع لا ينفك او ينفصل عن تطور الدولة فيه.

عرض مقالات: