ارتفع مؤشر الاحباط لدى المواطنين إثر عدد من الرسائل السلبية، التي بُثُت خلال الشهر الأخير غداة تحسن المزاج العام قليلا قبيل تشكيل الحكومة، مع تصاعد الامل بالإصلاح والتغيير المرتقبين. وهو ما عكسته التصريحات التي اطلقها زعماء الكتل، مؤكدين فيها ان طريق الإصلاح هو الطريق الوحيد الذي لا بد منه لتشكيل حكومة كفاءات، على اساس معايير المواطنة والكفاءة والنزاهة والخبرة وعدم التحزب والانحياز الطائفي.
وهكذا نشأ في اخيلة العراقيين تصور ان الخير قادم، وان الأعوام التي ستلي ٢٠١٨ ستختلف عن الأعوام التي سبقته، حيث تشهد مغادرة ازمة نظام الحكم، وما انتجت من أزمات اخرى متعددة، انعكست وبالا على امن المواطنين ومعيشتهم، وكان نقص الخدمات وترديها الى جانب اتساع البطالة بين الشباب، عنوانها الأبرز.
لكن رسالة تشكيل الحكومة، وما تسرب عن ضغوط تهدف الى انتاج المحاصصة بطريقة أخرى، وعدم تقديم حكومة كاملة، الى جانب الشبهات التي تدور حول بعض ترشيحات الحقائب الوزارية، والكلام الذي يُتداول حول بيع وشراء المواقع الوزارية .. هذا كله جعل كثيرا من المواطنين يعتقدون ان التغيير هو مجرد كلام للاستهلاك المحلي وللامتصاص المؤقت لنقمة المواطنين، التي بلغت ذروتها باندلاع تظاهرات محافظة البصرة.
ولم يتوقف الامر عند هذه الرسالة السلبية، التي تلقاها المواطنون المتطلعون الى الخلاص من المحاصصة ونتائجها الكارثية على الشعب، وانما تواصلت الرسائل المحبطة، حيث جاءت رسالة تلف السبعة مليارات دينار عراقي، تلفا كاملا حسب ما ادلى به رئيس البنك المركزي الدكتور علي العلاق في مجلس النواب.
وبرغم توضيحات البنك المركزي، لم يمكن الحد من الآثار السلبية للتصريح على الرأي العام المشكك أصلا في صدقية المتنفذين، نظرا الى تورط الطبقة السياسية في الفساد، ومسؤوليتها عن اتساع نطاقه في مؤسسات الدولة.
وجاءت الرسالة الثالثة لتزيد من الإحباط، حيث وقع مجلس النواب في فخ القبول بامتيازات من سبق من نواب الدورات السابقة، وواصل منح امتياز الايجار لأعضائه. وهذا ما جعل التساؤل مشروعا عن أولويات اهتمام مجلس النواب، واسباب عدم اكتراثه بمعيشة المواطنين واحوال الملايين الذين لا سكن لهم، وبمئات آلاف "المساكن" البائسة التي شيدت في العشوائيات، ومبررات عدم معالجته اوضاع المهجرين والاعداد الكبيرة من المشردين. وقد هز هذا صدقية مجلس النواب، والامل في رؤيته مجلسا مختلفا من حيث الحرص والأداء، وبديلا مرضيا عن المجالس السابقة بسوء ادائها.
وعلى رغم هذا كله وما نجم عنه من احباط ومرارات، ما زالت هناك فرصة لتجنب تأثير هذه الرسائل، التي زادت من سخط المواطنين وتذمرهم. فرصة يمكن ان يوفرها استكمال تشكيل الحكومة سريعا وبلا ابطاء، ومن شخصيات موثوقة ومعروفة بنزاهتها وكفاءتها وصدقيتها، واقالة الشخصيات التي تدور حولها شبهات.
على ان تغيير الوجوه وحده لا يكفي، بل لا بد من رسائل إيجابية الى المواطنين، تنعش فيهم الامل بان طريق الإصلاح والتغيير لا غيره هو الطريق الأكيد، الذي لا مناص منه. ومن المؤكد ان المواطنين سيستجيبون فورا إن وجدوا الرسائل صادقة، تترجمها إجراءات ملموسة تحسن من واقعهم المعيشي، وترتقي بحياتهم وبآفاق مستقبلهم.

عرض مقالات: