حين كتبت أجاثا كريستي روايتها ( جريمة في قطار الشرق السريع ) كانت قد ركبت القطار من أوربا وحتى البصرة، ومر بها بين غابات نخيل العراق وأراضيه الزراعية العامرة، وشاهدت الاهوار وغيرها ، وتمتعت بسرعته آنذاك لتستوحي من أجوائه أكثر من رواية بوليسية كتبتها!
هذا القطار الذي سكن ذاكرتنا منذ أن فتحنا أعيننا ورأينا مشيته الثعبانية وسمعنا هديره، نحمل عنه حكايات وذكريات وأغانٍ ، فمن قصيدة النواب (للريل وحمد) إلى أغنية (المكير) مرورا بحكاية قطار الموت سيئة الصيت، وصولا إلى عبد الزهرة مناتي وهو يغني (نازل يا قطار الشوك) كنا نردد كل ما كتبته أقلام الشعراء ورددته حناجر المطربين !
راح قطار وجاء آخر، فمن الألماني إلى الفرنسي. وها نحن الآن نركب الصيني الذي بدأ العمل به قبل سنوات قليلة جدا !
هل بقي كما هو بحكاياته وأغانيه ؟!
لا طبعا .. تغير مثلما تغيرت أمور كثيرة ، وصرنا نبحث عن كوة نتنفس منها الفرح !
القطار بحاجة إلى الكثير، من خدمات سياحية و ترتيب وتأهيل وصولا إلى ثقافة المحافظة عليه!
في البدء كانوا يوزعون العصائر والماء والبسكت، ثم تلاشى العصير والبسكت وبقي الماء بمعدل علبة واحدة فقط !
وفي البدء كانت البطانيات نظيفة وموضوعة في أكياس نايلون، والشراشف أيضا ، والآن صار المسافر يلاقي العكس ، البطانيات كما هي والشراشف لم تبدل!
وفي البدء كانت المغاسل تحتوي على صابون سائل، ثم صرنا نغتسل بالماء فقط!
شبابيكه مهشمة بفعل ضربات الحجارة التي تترصده عليها عند مروره بين القرى والقصبات، حتى صارت الأعضاء ترتجف بردا إضافة إلى الأتربة والغبار !
السكة يقال إنها حديثة لكنها تمنحك تمايلاً وكأنك تستقل زورقاً تلطمه الأمواج ، لتعاني من الصداع ودوار البحر!
منذ أن تركت أجاثا كريستي قطار الشرق السريع الذي توقفت عجلاته عند بغداد ولم تخط باتجاه مدن الشمال وبلاد الغرب ، فظل صاعدا ونازلا بين بغداد والبصرة، لم يفكر المسؤولون بتحسينه وتطويره من جميع الاتجاهات!
علينا أن نمد سكة جديدة كي نتخلص من الاهتزازات والمطبّات وصوت اصطكاك العجلات الذي لا يدعك تنام لحظة واحدة!
كما وعلينا أن نعمل على تحسين الخدمات السياحية فيه كونه واسطة نقل مريحة إذا استثمر بشكل صحيح!
وعلينا محاسبة من تُسوّل له نفسه العبث بأثاثه أو رميه بالحجارة وتكسير نوافذه!
السككيون يحلمون بتطويره نحو الأجمل والأبهى لأنه أغنيتهم العذبة !
والمسافرون بحاجة إلى قطار شرق سريع وحديث، لينقلهم بين العراق ومدن العالم.. عسى أن تظهر روائية جديدة تبدع لنا رواية وتسميها (قطار المحبة والأحلام الوردية)!