حين وصلت بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، وجدته ساهما يتابع شاشة التلفزيون الذي كان يعرض تقريرا عن ظاهرة النفوق الجماعي للأسماك في الاحواض والمزارع ومياه الأنهر. لم ينتظر أبو جليل جلوسي بل بادرني غاضبا: تعال انت، يا كاتبنا المتفائل، تعال شوف، شنو اللي بعد ما لحقه الموت بهذي البلاد؟
بدا لي ان جليل تعب من الحديث معهم، فجاء وصولي انقاذا له. حاولت تغيير الاجواء الى موضوع اخر، فقلت لجليل: هل سمعت بما نقلته الاخبار عن أن البرلمان الفنلندي رُصد لترميمه خلال عدة سنوات مبلغ 125 مليون يورو، لكن الترميمات كلفت 115 مليون فقط فتَمت إعادة 10 ملايين الى ميزانية الدولة؟
ابتسم جليل وقد فهم مقصدي تماما، فنحن قبل وصولنا بيت أبو سكينة تحدثنا طويلا على الهاتف: عادي جدا ان يحصل هذا في بلد مثل فنلندا عرف بتقدمه دوما في مقاييس الشفافية على بلدان كثيرة. لكن الخبر الأهم عندي هو ما نقل عن أن بلدة صغيرة في العراق، اسمها المحاويل، اكتشف أحد الموظفين فيها وجود زيادة في رواتب الموظفين فأعاد وبأمانة يشكر عليها الى مصرف المدينة مبلغ 68 مليون دينار عراقي.
ضحك أبو جليل: أنتم ترفعون وتكبسون بيننا على كيفكم، بالقوة تريدونا نغني وإياكم "باجر أحسن من أمس"! وشنهي يعني 68 مليون امام المليارات التي انشفطت وما زال الحرامية عينك عينك يتحركون بحرية؟
ضحك أبو سكينة وسعل، فتوجهت له الأنظار: فعلا يا أبو جليل.. وما بهذل احوالنا غير اللي ألسنتهم في التلفزيون أطول من ارقام ارصدتهم في البنوك الأجنبية.. تعرفون من هو أكثر شخص في العراق كان يتحدث عن الديمقراطية؟
ولم ينتظر جوابا من أحد. بادر للقول بصوت عال: كان صدام حسين.. نعم الديكتاتور المجرم الدموي الشوفيني الـ.. عندكم بعد وصف ما ذكرته ويناسبه؟ نعم كان "القائد اللاضرورة" ينام ويصحى وهو يتحدث عن الديمقراطية، ولكن أي ديمقراطية؟ وشنو كانت نتائجها؟ ثماني سنوات حرب مع الجارة إيران وغزو الجارة الكويت وابادة جماعية للشعب في كردستان مع استخدام أسلحة كيمياوية محرمة دوليا وحملات تنظيف السجون واعدامات بالجملة لشباب العراق ومقابر جماعية في كل مكان وحصار اقتصادي.. هل نسيت شيء لم اذكره بعد؟
صاح به أبو جليل: كل هذا نعرفه وتحدثنا به أكثر من مرة.. شنو الربط؟
صاح أبو سكينة: الربط مو كلمن صخم وجهه صار حداد.. ومو كلمن تحدث عن الإصلاح راح يكون مصلح.. احنا مشكلتنا وحده، احنا والسمك كلنا راح يصير بينا مرض تليف الغلاصم ونموت جماعي، إذا بقوا الحرامية يلعبون بينا شاطي باطي.. وهم الذين يتحدثون عن الإصلاح والنزاهة والقانون.
أعطوني شوية ماء لساني نشف!