تواجه الحكومة العراقية الجديدة تحديات اقتصادية عسيرة تتطلب دراستها بامعان والوقوف على اسبابها ومسبباتها بهدف وضع الحلول الناجعة لحل طلاسمها التي على ما يبدو ان الحكومات السابقة عجزت عن ذلك ولهذا ظل الاقتصاد يراوح في مكانه وجر معه خيبات اجتماعية عميقة تمثلت في تعاظم نسب الفقر وغياب العدالة الاجتماعية واتساع الفوارق الطبقية في المجتمع .
ومن المؤكد ان مقالة بهذا الحجم الضيق لا تكفي لتغطية كافة جوانب العملية الاقتصادية المتعثرة بل المعتلة في مختلف مستوياتها غير اننا آثرنا التوقف عند بعض العناوين الرئيسة المهمة التي تعاني منها هذه العملية وهي اشارات يتشارك في بحثها معظم الاقتصاديين والمهتمين بالشأن الاقتصادي العراقي نذكر منها ما يلي :
اعتادت الحكومات السابقة التعامل مع العوائد النفطية بوصفها ، حسب السياسة الاقتصادية التي كانت سائدة ، مصدرا للتراكم المالي وليست منتجة للثروة ولهذا تحولت هذه العوائد من خلال طريقة ادارتها الى منتجة للفساد وراعية للفاسدين في ظل بيئة سياسة مشجعة على الفساد وهدر المال العام وبالتالي فقد تسببت في ضياع مئات المليارات مما يتعين وبشدة مراجعة هذه السياسة بوجهة تحويل العوائد النفطية وتوظيفها لدعم قطاع الانتاج السلعي والخدمات ومن اجل تنويع مصادر التمويل من خلال اعادة تاهيل منظومات الدولة الاقتصادية من شركات ومصانع وصولا الى تحقيق الاكتفاء الذاتي وفي الوقت ذاته تحقيق البيئة الاستثمارية عن طريق دعم القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الخارجية ومعالجة المعوقات التي تجابهها داخل الجهاز الحكومي المشبع بالروتين وعمليات الابتزاز التي يمارسها الفاسدون ووسطاؤهم .
وضع الخطط الرشيدة التي تستهدف اعادة تفعيل المشاريع الحكومية المعطلة من الدورات الحكومية السابقة وعددها 6 الاف مشروع ووضع التخصيصات اللازمة في الموازنات الاتحادية السنوية على اساس اهمية هذه المشاريع ودورها في العملية التنموية اللاحقة ووفق نسبة الانجاز في هذه المشاريع وملاحقة المتسببين في هدر الاموال المنفقة عليها ، ومتابعة مخرجات مؤتمر الكويت في تمويل هذه المشاريع ومراجعة جادة للسياستين المالية والنقدية بوجهة تحسين ادارة الانفاق والائتمان كنافذتين مهمتين في تشجيع الاستثمار وتطوير اداء العملية التنموية .
ان الحكومة الجديدة وهي على ابواب تدشين مرحلة جديدة مدعوة لاعادة النظر في ابواب مسودة الموازنة السنوية لعام 2019 والتعامل معها بوصفها اداة لتوزيع الدخل بين المواطنين بدون تمييز من خلال تنشيط عملية الاستثمار وتحفيز القطاعات الخاملة لاستيعاب العاطلين وتوفير الخدمات الاساسية المتمثلة في توفير الكهرباء بوصفها خدمة وليست سلعة بالاضافة الى خدمات الصحة والتعليم وخدمات الماء والمجاري والخدمات البلدية التي تعاني الاهمال .
اعادة النظر في السياسة الاستيرادية للدولة ، التي أدت مخرجاتها مع الوقت وبسبب ضعف الرقابة والمراجعة ، الى تحويل المجتمع الى الاستهلاك البذخي وهذا قاد الى التوجه لاستيراد البضائع الاستهلاكية وسلع الاستخدام المنزلي الرديئة التي افضت اليها سياسة الاغراق التي مارستها العديد من الدول وفي الوقت ذاته كانت هذه السياسة منفذا سهلا لتهريب العملة الاجنبية الى الخارج مستغلة بصورة شرهة نافذة البنك المركزي وادت في نهاية المطاف الى انفاق اكثر من 300 مليار دولار .
بعد التغيير السياسي في عام 2003 ورث العراق من النظام السابق مديونية هائلة تقدر بمئات المليارات من الدولارات تم اطفاء 80 في المائة منها من قبل دول نادي باريس وما زال العراق مكبلا بما يصل الى 123 مليار دولار وهو مبلغ كبير يرتب على العراق دفع مبالغ سنوية طائلة لتسديد خدمة هذه الديون كان من الممكن توظيفها لاعادة بناء البنية التحتية للاقتصاد العراقي لهذا يتعين التوقف عن الاقتراض بعد التحسن في اسعار البترول ولاجل التخفيف من اعباء الديون . وقد آن الاوان لإنشاء صندوق ثروة سيادي لمواجهة هذه الديون ووضع التشريعات اللازمة لهذا الصندوق كمقدمة لانشاء المزيد من الصناديق السيادية والعمل على اعادة الاتفاق مع الدول الدائنة للحصول على فرص إضافية في آجال تسديد هذه الديون من اجل التوجه الى إعادة اعمار العراق ومعالجة اثار الارهاب .

عرض مقالات: