مقطوعة موسيقية فذّة إسمها ( براندنبيرغ كونشيرتو- الحركة الرابعة)، تمتد بحدود 6 دقائق. وصلت الى أسماع العراقيين بأبشع صورة يمكن أن تصل بها الموسيقى الى وعي مجتمع ما. كان إعلام الطاغية يُصر على استعمالها كموسيقى تصويرية مُصاحبة لصورة الطاغية خلال استقبالاته ولقاءاته ونشاطاته التي يعرضها التلفزيون الرسمي. واستمر هذا الإصرار منذ بداية الثمانينيات حتى سقوط النظام. ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن هناك قناة تلفزيونية رسمية واحدة، يتابعها جميع أفراد الشعب مُرغمين أو مضطرين، فهذا يعني أن المقطوعة الموسيقية الجميلة مرّت على أسماع الملايين من أبناء الشعب العراقي، مقرونة بصورة الطاغية وسلطته حصراً، وحدث هذا على مدى سنوات طويلة.
هذه المقطوعة لم تؤلف لأجل الطغاة، ولا لأجل أن تُقرن بصورتهم، ولا حتى من أجل أن يُرغم شعب ما على سماعها قسراً. إنها مجرّد عمل فني رائع من بين أعمال الموسيقار العالمي يوهان سيباستيان باخ.
لكن الحظ السيء هو الذي أدخلها هذا المُدخل الى أسماعنا.
الشيء نفسه يشبه مصطلحات سياسية(بريئة) من الأغراض المسبقة، مثل (االشفافية)، و(سيادة القانون)، و(الحكومة التوافقية)، و(حكومة الشراكة الوطنية). كلها مفردات ذات دلالة لغوية وسياسية محددة. لكن الحظ العاثر عرّفها الى إدراك الناس على ألسن عتاة النصب والإحتيال في عملية سياسية عرجاء ومشوهة، أدّت في النهاية الى تشويه مفاهيم الديمقراطية نفسها في اذهان الناس.
ليس ذنب(الشفافية) أنها كانت علكة في فم مجموعة من أفّاقي السياسة، فتحوّلت الى موضع سخرية وتهكم كلّما ذُكرت في مكان ما. حتى صارت قرينة تقريباً لوسائل النصب والتدليس اللفظي التي برع بها عدد مهم من سياسيينا. إعتقال المصطلح هذا كان بوابة مرعبة لتزييف الوعي الجمعي، وجرّه عنوة الى التخندق الطائفي المتخادم بين الأحزاب الطائفية. إعتقال المصطلح هذا، يشبه الى حد بعيد معزوفة باخ الشهيرة التي اعتقلتها وسائل إعلام نظام الطاغية. الهدف النهائي منها أنها أنتجت وعياً مشوهاً تجاه موسيقى عالمية ظن الكثيرون من أبناء جيلي أنها لصيقة حصراً بصورة الطاغية وهو يتبختر مستعرضاً قوّته.
ببساطة نحن إزاء مفاهيم في العملية السياسية وإزاء أهداف معتقلة لحساب الفاسدين، سابقاً ولاحقاً. بانتظار تحرير هذه الأهداف وعتقها من سلطة المشوّهين لها.

عرض مقالات: