وقّع أكثر من 100 مثقف يهودي يعيشون في ألمانيا، ويحملون جنسيات مختلفة على رسالة مفتوحة. دعوا فيها إلى السلام ورفض قمع حرية التعبير باسمهم، ارتباطا بالحظر الشامل على تظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني في البلاد.

وادانت الرسالة الممارسات المثيرة للقلق ضد الرأي العام الديمقراطي في أعقاب أعمال العنف الرهيبة الأخيرة في "إسرائيل وفلسطين"، وانه ليس هناك مبرر للقتل المتبادل للمدنيين على الجانبين.

وأشارت الرسالة الى قيام السلطات الاتحادية والمحلية الألمانية بمنع التجمعات المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، وأكثر من هذا فان القمع امتد الى منظمات مثل "شبيبة ضد العنصرية" و"يهود برلين ضد العنف في الشرق الأوسط". وقامت السلطات الألمانية باعتقال مواطنة إسرائيلية حملت لافتة تدين العدوان الإسرائيلي على غزة.

ولم تقدم الشرطة الألمانية مبررات مقنعة لهذا المنع، سوى خطر "الشعارات التي تثير الكراهية بين الشعوب"، والشعارات "المعادية للسامية". واعتبرت الرسالة، ان هذه الادعاءات تؤدي الى قمع التعبير السياسي الشرعي والسلمي الناقد لإسرائيل.

عنصرية

وتواجَه محاولات مقاومة هذه القيود التعسفية المفروضة، بوحشية عشوائية، شملت الافراد الذين ينحدرون من خلفيات مهاجرة في جميع أنحاء ألمانيا، حيث تمت ملاحقة المدنيين واعتقالهم وضربهم. وتحتل الشرطة الألمانية، عمليا حي نويكولن، في العاصمة برلين، حيث تسكن أكثرية عربية وتركية، وتقوم سيارات مدرعة وشرطة مكافحة الشغب المسلحة بدوريات في الشوارع بحثًا عن أية تظاهرة عفوية لدعم الفلسطينيين أو تحمل الرموز الفلسطينية. وتقوم الشرطة بمهاجمة المارة على الأرصفة، ويتعرض الأطفال للاعتقال بلا رحمة. ومن بين المعتقلين نشطاء فلسطينيون وعرب معروفون.

ويجري منع تداول الأعلام والكوفية الفلسطينية في المدارس، على الرغم من ان القانون لا يحظر ذلك. وفي وقت سابق من هذا العام، اعترف ضباط شرطة من برلين أمام المحكمة بأنهم استهدفوا المدنيين "الذين كانوا يرتدون الوان العلم الفلسطيني أو الأوشحة المرتبطة بالتضامن مع الفلسطينيين"، ولايزال الحال كما هو، وان هناك تحيزا عنصريا واضحا في الملاحقة القضائية التي تستهدف المشتبه بهم. واعتبرت الرسالة ان ذلك يمثل انتهاكا للحقوق المدنية، والغريب انه لا يثير أي احتجاج بين النخب الثقافية في ألمانيا. لقد تزامنت ردود الفعل الذاتية للمؤسسات الثقافية الكبرى، لإسكات الأصوات من خلال إلغاء المسرحيات التي تتناول الصراع وسحب حق التحدث من الشخصيات التي قد تنتقد تصرفات إسرائيل، او الشخصيات الفلسطينية. وقد خلقت هذه الممارسات والمبادرات غير المنصوص عليها قانونا، مناخا من الخوف والغضب والصمت. وكل هذا يتم، كما تقول الرسالة، بحجة حماية اليهود ودعم دولة إسرائيل.

عنف مرفوض

وقال الموقعون: "نحن، كيهود، نرفض ذريعة هذا العنف العنصري ونعرب عن تضامننا الكامل مع جيراننا العرب والمسلمين، وخاصة الفلسطينيين. نحن نرفض أن نعيش في خوف ناتج عن التحامل. وإن ما يخيفنا هو مناخ العنصرية وكراهية الأجانب السائد في ألمانيا، والذي يسير جنباً إلى جنب مع محبة قهرية وابوية للسامية. ونرفض بشكل خاص مساواة معاداة السامية بأي انتقاد لدولة إسرائيل". وبالمقابل اشارت الرسالة الى اعمال العنف التي استهدفت الجالية اليهودية من قبل جهات مجهولة، في إشارة الى مسؤولية النازيين الجدد.

تخادم متبادل

وأكدت الرسالة على ان منع التضامن او الحداد على أرواح ضحايا غزة؛ "لن يجعل اليهود أكثر أمانا". لان الجالية اليهودية صغيرة وتتعرض للتهديدات، ولقد افاد بعضهم، انهم يخشون الكشف عن هويتهم في الشارع، ولهذا فان فرض حظر على التظاهرات وتنفيذه بالعنف سيؤدي الى اثارة العنف وتصعيده، وبالتأكيد توظيفه مما يسمى بالجهات المجهولة.

تؤكد معطيات الشرطة الألمانية ان 84 في المائة من الجرائم المعادية للسامية يقوم بها اليمين المتطرف الألماني (النازيون الجدد). ولهذا فان حظر التضامن مع الفلسطينيين يهدف الى محاولة التصالح مع التاريخ الألماني ابان سنوات حكم النازية (1933-1945)، ولكن الرسالة تنبه الى خطر تكراره. ان عملية التخادم بين الحركة الصهيونية والقوى المهيمنة في المانيا تتكرر بثوب جديد، لتؤكد التخادم التاريخي بين الصهيونية ومؤسسات رأس المال العالمي.

روزا لوكسمبورغ

وشددت الرسالة على ان المعارضة شرط أساسي لأي مجتمع ديمقراطي حر. وأعاد الموقعون على الرسالة الى الأذهان المقولة الشهيرة للمناضلة الأممية روزا لوكسمبورغ: "الحرية هي دوما هي حرية أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف". وان القمع الحالي لحرية التعبير في المانيا، ربما سيخلق مناخا أكثر خطورة لليهود والمسلمين على حد سواء، أكثر من أي وقت مضى.

وفي الختام دعت الرسالة المانيا الى الالتزام بحرية التعبير والحق في التجمع، المنصوص عليها في الدستور الألماني، الذي يبدأ بـ „كرامة الإنسان مصونة. وتضطلع جميع السلطات في الدولة بواجبات احترامها وصونها".

ومن المعروف ان حربا ثقافية ضد كل ما هو فلسطيني جارية على قدم وساق، كتلك التي شهدناها ضد الثقافة الروسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ولعل المثال الأبرز في الحالة الفلسطينية هو حرمان الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، من الجائزة التي كان من المقرر ان تستلمها في حفل ينظم ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي في مدينة فرانكفورت.  من جانب آخر تتزامن حملة التضييق على فعاليات التضامن مع الشعب الفلسطيني مع اعتماد الحكومة الألمانية الاتحادية سياسة معادية للاجئين والمهاجرين، عبر عنها مشروع القانون الذي قدمته الحكومة للبرلمان الألماني بهدف اقراره. وليس غريبا ان يكون الفلسطينيون والمتضامنون معهم، ضحية مضاعفة في ظل الظروف الاستثنائية الحالية.

عرض مقالات: