يبدو أن الخلود يكون دائما في حيازة الأدب الذي تكون منصته المحلية. بكل صفاتها ومقوماتها وطاقتها الكامنة فينا وبهذه الأجنحة الغزيرة يحلّق الأدب في سماوات العالمية والمثال الحي هو كلكامش الرجل الملك بكل أبعاده الواقعية الذي تأسطر ونال المقام الأعلى  بين الأساطير العالمية وشعت أنوار كلكامش في كافة فنون القلم والفرشاة والإزميل وخشبة المسرح والإنشاد من هذا الباب بزغ الجهد الجميل والعميق  للدكتور ضرغام الأجودي وصمم أن يفرك الصدأ عن بعض جوانب ملحمة كلكامش ويصيغها بما يوائم لحظتنا الراهنة ، دون المساس بثوابت الملحمة  فقد جنّس الدكتور ضرغام الأجودي اشتغالهُ على الملحمة العراقية العالمية الخالدة وثبّت التجنيس في أعلى الجهة اليسرى من واجهة غلاف كتابه بالقول التالي (سرد قصصي معاصر) كما ثبّت في أسفل الجهة اليمني من واجهة الغلاف هذا القول (لكل الأعمار) وقراءتي نضّدت القولين هكذا( سرد قصصي معاصر لكل الأعمار) وبالطريقة هذه يكون فعل القراءة متاحا للكافة بدءا ً بالطفولة وصعوداً لسن الحكمة.

(*)

إذا كان التجنيس هو الهدب الأول فأن مقدمة الكتاب بقلم الدكتور ضرغام الأجودي، هي الهدب الثاني . بعد توكيده ُ على أولية  حضارة وادي الرافدين،  هذه الحضارة  هي التي نقلت الإنسان من  من النيء إلى المطبوخ، من الصيد إلى الزراعة، من الكهف إلى البيت. من ظلام الأمية إلى أنوار العلم والمعرفة. فقد كانت الأعداد علاماتٍ مرسومة ً على جدران الكهوف. ثم (طورت حضارات منطقة بلاد الرافدين استخدام الأعداد المكتوبة بحلول 1800 ق.م، وابتكر البابليون على وجه الخصوص نظاماً متطوراً للأرقام،  واستخدموا الكسور، وحلوا معادلات تربيعية مرّكبة من الدرجة الثانية، وانتشرت الرياضيات الرافدانية انتشاراً واسعاً وتركت أفكارها، أثرها على حضارات أخرى من أوربا والصين/ ص461/ العلم وأزمنته). يخبرنا الأجودي سبب اختياره لهذه الملحمة : (للأسف الشديد لا نجد لهذه الملحمة العظيمة ذكراً في المناهج الدراسة. رغم أنها ملحمة أدبية وفلسفية رائعة. تناولت قضايا طالما أرقت الإنسان منذ بدء الخليقة مثل الموت والفناء والحياة والخلود والحياة ما بعد الموت../ ص4) وهناك سبب آخر يخبرنا الدكتور ضرغام ( كذلك نجد أن الترجمات العربية للملحمة الخالدة قد طُرحت من قبل أساتذة كبار في علم الآثار فكانت عبارة عن بحوث تاريخية أكاديمية معمقة مع ترجمة حرفية ولم تطرح كنص أدبي معاصر سهل المنال للقارئ والطالب يستمتع به الصغار والكبار) وإذا كان هذا هو السبب عربيا، فهناك السبب العالمي :( ملحمة كلكامش تركت أثرها في كل الحضارات المعاصرة لها واللاحقة بها. وحاولت تقليدها – بالاقتباس منها – مثل الإلياذة والأوديسية . وحدثت محاولات عديدة للتقليد والاقتباس من شخصية ،، كلكامش،، مثل أخيل وهرقل والاسكندر المقدوني. دون أن تصل للجاذبية والتميز الذي حظيت به شخصية كلكامش/ ص3) لدى قراءتي الشخصية :  حضرني ُشاهد عدل يمتلك بينة ً معرفية تاريخية تعزز كلام الدكتور ضرغام   متجسدة في كتاب عالمة الآثار والعالمة النفسية بتي دي شونك ميدر في كتابها(صلوات إنهيدوانا) حيث تؤكد هذه العالمة أن انهيدوانا ابنة سرجون الأكدي الكاهنة السومرية الكبرى هي (أول شاعرة في العالم  وتكون بهذا أقدم من الشاعر اليوناني الملحمي هوميروس (صاحب الإلياذة والأوديسية) بأحد عشر قرناً من السنين، وأقدم من الشاعرة اليونانية الغنائية سافو بسبعة عشرة قرنا / ص7) ومن جانب ثان أن ملحمة كلكامش كما يخبرنا عالم العراق الأشهر طه باقر: لها جذور واقعية حياتية وليس هذا الشخص من نتاج كاتب الأسطورة (فهو شخصية تاريخية واقعية وأنه خامس ملوك سلالة مدينة الوركاء الأولى المسمى في تاريخ العراق القديم (عصر السلالات/ ص127- 128).. لهذه الأسباب قام المؤلف  الأجودي بتدوير السرد بنسخه السابقة  وجعله وجيزاً  شيقاً ومبسطاً  وفي تناول كل الأعمار (حاولت أن أدلو بدلوي في هذا المضمار، وأقدمها بشكل معاصر مع تبسيط في النص يستلزمه الطرح للجيل الجديد من دون المساس بالمضمون والأحداث والمواقف والشخوص/ ص4) لكن هذا الجهد المعرفي ليس سهلاً بل تطلب جهدا معرفيا ووقتاً طويلا أمضاه الدكتور ضرغام في البحث والتنقيب والمضاهاة بين نسخ الملحمة ليبزغ بعدها هذا الكتاب الثمين

(*)

الهدب الثالث للنص يؤطره المؤلف بعنوان رئيس(فضاء الملحمة)

ومن هذا العنوان تتشقق أربعة عناوين  ذات وظيفة تاريخية تشمل

  • تاريخية العثور على الملحمة في 1872
  • مكان وزمان الملحمة: الوركاء : السماوة. 2800 ق.م
  • الشخصية المحورية : كلكامش
  • مكونات الملحمة: 3150 بيتا/ 12 لوحا/
  • ما تبقى من المكون الشعري :2575 بيتا
  • مطلع الملحمة بنسق ثلاثي
  • هو الذي رأى، فغني بذكره يا بلادي
  • هو الذي خبر الأسرار وفتح الخفايا
  • غزير الحكمة وحامل معارف ما قبل الطوفان

(*)

نص المؤلف الأجودي يبدأ من ص6 وينتهي في ص45 النص  المسرود قصصيا يمتد بسعة تسعٍ وثلاثين صفحة ً

(*)

الهدب  الرابع : يبدأ من ص46 تحت عنوان(ملحق تفسير رموز الملحمة) في هذا الهدب يتم تفسير الملتبس من خلال تفكيك شفرات النص ضمن التراتبية التالية، هنا يقوم الدكتور ضرغام بتصحيح أخطاء الاستشراق الغربي الذي تورط المستشرقون فيه، لقد ادرك الأجودي أن الملحمة (مليئة بالرموز والشفرات التي تحتاج إلى تفسير ويمكن فهم قضايا كثيرة منها ويمكننا مناقشة بعضها/ ص46) :

  • رمزية أنكيدو وشامخة
  • رمزية عشتار
  • رمزية مياه الموت
  • رمزية الثور الأسطوري
  • رمزية الرجال العقارب

(*)

الهدب الخامس: بعنوان( ملحق حول أخطاء الترجمات الغربية للملحمة). هنا يطارد المؤلف الأخطاء ليعيدها لصوابها فقد اكتشف الدكتور الأجودي (أخطاء كثيرة وقع بها الغربيون بقصد أو بغير قصد بخصوص بلاد والدي الرافدين عموما وملحمة،، كلكامش ،،خصوصا وسنحاول تصحيحها للقارئ الكريم /ص48) :

  • تعدد الآلهة
  • ألوهية كلكامش
  • أنكيدو نصف بشر ونصف حيوان
  • عدم نبل العلاقة بين كلكامش وأنكيدو

 

(*)

الهدب السادس عنوانه ( أسئلة العصف الذهني) يحتوى أسئلة منضودة بسعة أربعين سؤالا ،يطلقها المؤلف نحو القارئ. وبهذه الطريقة التنموية الذكية يعرف القارئ قدراته ونسبة ما اكتنزته مطالعته لهذا السِفر الملحمي الخالد

(*)

الهدب السابع هو هدب الأهداب النصية ورحيقها. أعني بذلك  الفضاء الملوّن المتجاور مع الفضاء المسطور في الكتاب وهكذا يكون كتاب المؤلف الأجودي من نصين : نص سردي ونص تشكيلي ملوّن بسعة ثلاث وعشرين لوحة تشكيلية بفرشاة الرسامة نادية عادل

(*)

أشهد أن هذا الكتاب قد ملأ فراغا في المكتبة البصرية والعراقية والعربية ويستحق الترجمة حتى يصحح الآخر أخطاء الرؤيا لديه 

دكتور ضرغام الأجودي/ ملحمة كلكامش/ رسوم نادية عادل/ دار الأمل/ ط1/ 2023

(*) نخبة من العلماء/ العلم وأزمنته (2000 ق.م – 699 م) ترجمة وتقديم/ أيمن توفيق/ المجلد الأول/ المركز القومي للترجمة/ القاهرة/ ط1/ 2015

(*) بتي دي شونك ميدر/ صلوات إنهيدوانا/ أول شاعرة في العالم/ ترجمة: كامل جابر/ منشورات الجمل/ ط1/ 2009

(*) طه باقر/ مُقَدمة في أدب العراق القديم/ شركة بيت الوراق للنشر المحدودة/ ط1/ 2010

عرض مقالات: