سلاما لك وانت تودعين الحياة، خفيفة كنسمة هواء، بيضاء القلب، كجناح غيمة صيف ترفرف في اطراف السماء. سلاما لك، لسيرتك الزاخرة بالبذل وبسماحة العطاء.

سلاما لشخصك المتسامي على الذات، سلاما لك امراة عراقية باسلة، اقتحمت ميدان الحياة منذ ربيع شبابها بدون وجل، وخاضت تجربتها بوعي مبكرٍ مستمدٍ من فضاءات العائلة، والقرابات الأسرية الواسعة، وسط المناخ الاجتماعي والسياسي لتلك المرحلة الزمنية من عمر الدولة العراقية ومخاضات ماسستها، وتجليات التمدن المتصاعد في مدينة بغداد والمدن العراقية الاخرى، تلك المدن التي الفتها وترعرت فيها، ونهلت من ثراء ثقافتها الشعبية وتقاليدها الاجتماعية، وظلت ابنة وفية للاحياء العمالية والمناطق الشعبية التي تربت فيها واحبتها، مثلما احبت وطنها بكل عمق.

يقول احد الكتاب: " إن علامة الإنسان الناضج، أنه يود ان يعيش بتواضع من اجل قضية ما"، وهنا، اشير الى ان الفقيدة وبنات وابناء جيلها من الرواد الاوائل، واللاحقون، قد قدموا مستويات عالية من التواضع والنضج والادراك والوعي المتقدم والتضحية اللامحدودة من أجل غد افضل وحياة كريمة تليق بالانسان العراقي على امتداد خارطة الوطن، و تلك بالضبط كانت ومازالت هي القضية.

لقد افرزت حركة الاجتماع والسياسة في العراق نماذج بشرية مترعة بالمعرفة، قوية الشكيمة، بضمنها شخصيات نسوية مفعمة بالانسانية والرقة والجمال وحب الحياة، من مختلف الشرائح الاجتماعية، ولكنها في اضطراب العواصف تعملقت كشجر سامق لم ينحن، وقاومت كدروع صخرية راسخة، شاخصة، يتبدد عليها تلاطم الامواج. وهنا أتساءل: ألسنَ قد اقتربن بحق من ان يكن نمطا من أبطال الاساطير ؟؟؟.

لقد كانت الفقيدة فكتوريا في حياتها اليومية امراة مسالمة، وانسانة شعبية في منتهى العفوية والبساطة، غير أنها حملت في أعماقها روحا وثابة وعزيمة لاتلين في تحدي المعضلات الصعبة، وكان لديها مبادرات وامكانيات متميزة في التحشيد الجماهيري للتظاهرات والاعتصامات وخصوصا في فترة الحكم الملكي.... وهي عندما يجد الجد تنقلب الى لبوة شرسة للدفاع عن عرينها. هاجسها اولا واخيرا الوطن والحزب والناس.

مجدا لك وانت ممسكة براية الحزب حتى تمكنت الامراض المزمنة من استيطان جسدك الناحل... ارقدي بسلام فالراية مرفوعة ستظل.

(*)  ألقيت في مراسيم تشييع الفقيدة يوم 19 / 4/ 2023 في كوبنهاكن