مثل صدمة كهربائية أعادت نبضات القلب، هكذا أحسست وأنا ألهم صفحات ذكريات "المناضل الصغير" للصديق العزيز محمد حسين النجفي. سحبني الكتاب عنوة نحو المسلسل المر والدامي لأحداث جسام مر بها الوطن في ستينات وسبعينات القرن الماضي، كما مررت بها وعشتها شخصياً، وعاشها عشرات الألوف من العراقيين، وهي مسطرة وبأسلوب درامي شيق وجذاب، وموثقة بالأسماء والصور.

 يبدو لي من خلال التمعن فيما يريد الكاتب النجفي التوصل إليه من طرح كتابه هذا ان يذكرنا بجروح وقروح تلك الحقبة المؤلمة الدموية من تأريخ العراق، في الوقت الذي نحاول نحن ضحاياها وبصعوبة لملمتها وتضميد مواجعنا عبر نسيان أحداثها أو على الأقل التقليل من شأنها خاصة بعد ان شهدنا أحداثا أكثر إيلاما بعدها. إنه قرار صعب سيما وأن مقترفي هذه الجرائم البشعة وأسيادهم وأعوانهم لم يعترفوا بها ولم يعتذروا أو يعوضوا ضحاياها، واستمروا في الحقبة التي تلتها باقتراف جرائم أكبر وأقسى من قتل وتعذيب. وهذه المرة ليس فقط ضد خصومهم السياسيين، وإنما طالت جرائمهم أعضاء وقادة في حزبهم ولم يسلم من بطشهم حتى القادة العسكريين الذين شاركوا في حروبهم الداخلية والخارجية. وأخيراً عرضوا الوطن جراء سياساتهم العدوانية الحمقاء لغزو خارجي تسبب بتدمير البنية التحتية الأساسية، وإنهاء حكمهم الغير مأسوف عليه.

 إن هدف الكاتب النجفي من طرح كتابه هو برأيي إستعادة أحداث الماضي، ليس من باب التشفي والانتقام، ولكن بهدف أن يطلع عليها الجيل الجديد والتعلم منها وتقييم تلك الحقبة بايجابياتها وسلبياتها. كما لا تخلو هذه الذكريات من اعتداد الكاتب بالنفس والزهو لحد الحزن والألم بما عاشه مع رفاقه وعائلته جراء المطاردات والتخفي والخوف من المجهول في معتقلات السلطات المتلاحقة، وهو ما زال شاباً يافعا.

  أجد من الضروري في ظل الظروف الحالية التي يعيشها الوطن والشعب العراقي، ان يقرأ الجيل الجديد هذا الكتاب ويتمعن بأحداثه والتعلم من دروسه، خاصة وإن شباب الانتفاضة البواسل قد لايعرفون بأن شبابا أصلاء مثلهم، قد سبقوهم عند عتبات تاريخ العراق القريب ووقفوا ضد القمع الوحشي للدكتاتوريات المتعاقبة بشموخ الأبطال.  

        

عرض مقالات: