طوال ثلاثة عقود ونيف، منذ انهيار النظام الدولي ثنائي القطبية بعد انهيار أحد قطبيه (الاتحاد السوفييتي) وتحوله إلى نظام أحادي القطبية تتربع على عرشه الولايات المتحدة، تعودنا على ألا ينتهي عام من أعوام هذه الحقبة الجديدة دون أن يطوي معه عدداً كبيرً من الفضائح العالمية الكبرى. ومع أن عام 2022 الذي ودعناه قبل أيام كان زاخراً بالفضائح الكبرى، إلا أننا سنكتفي في هذه العجالة بذكر ثلاث منها تميزه: 

الفضيحة الأولى: ومسرحها ارتكابها جرى في مبنى أو أكثر من العقارات التي تمتلكها الأكاديمية السويدية، وكان بطلها عضو الأكاديمية، المصور الفرنسي جان كلود آرنو، والذي قام باغتصاب 18 إمرأة عضوةً في الأكاديمية اضطررن لتلبية نزواته كارهات تحت ابتزازه المخيف، ثم تقدمن بشكوى ضده، وذلك في مكان هو بمثابة أقدس الأمكنة الثقافية في العالم في رمزيته للضمير الثقافي الإنساني العالمي، والجهة الدولية المنوط بها تحفيز ومكافأة ما يتحقق في العالم سنويا من منجزات علمية على أيدي علماء، فضلاً عن دورها في تشجيع وتقوية الجهود الدولية الرامية  لتحقيق السلم العالمي الدائم  باعتباره الضمانة الأكيدة لحماية وتطوير المنجزات العلمية والاقتصادية والابداعية على الصعيدين الوطني والدولي، وذلك من خلال تخصيص جائزة لفائز أو أكثر بالتساوي.

 وكان آرنو من أعضاء الأكاديمية ذوي الصلة بلجنة اختيار الجوائز السنوية، وهو أيضاً زوج كاترينا فروستنسون العضوة في الأكاديمية، والتي حُملت و أربعة أعضاء اخرين على الاستقالة، إثر تفجر الفضيحة عام 2018، كما قام، غير مرة، بانتهاك سرية أسماء الفائزين؛ لأغراض منفعية شخصية قبل موعد الإعلان عنها في خريف كل عام! 

والحال فقد دار صراع مصالح بين فريقين في الأكاديمية، أحدهما عارض التحقيق في الفضيحة أو الاعلان عنها؛ بذريعة الحفاظ على سمعة الأكاديمية وتقاليدها العريقة، أما الثاني فتمسك بوجوب اجراء التحقيق وانتهاج الشفافية، وهو الفريق الذي يبدو حقق معظم مراده، وتقرر حجب الإعلان عن اسم الفائز في الآداب لعام 2018. وتعد هذه الفضيحة الأكبر حجماً منذ تأسيس الأكاديمية مطلع القرن الماضي. ورب سائل هنا: ما علاقة فضيحة وقعت في 2018 بالعام المنصرم؟ والجواب أن تداعياتها لم تتبدد تماماً، ففي الأسبوع الأخير من عامنا الذي ودعناه، كشفت قناة "الجزيرة الوثائقية" النقاب عن تفاصيل جديدة خطيرة بالغة الخطورة في فيلم وثائقي مترجم يبدو أنه من إنتاج غربي، ومقسم على أربعة أجزاء طول كل واحد منه زهاء ساعة. 

وليس أقل من هذه الفضيحة عاراً ما يتمثل في نهج الأكاديمية المزمن بتحيزها للعالم الرأسمالي الغربي، ومن ثم تجاهلها متطلبات الحياد والنزاهة والعدالة في توزيع الجوائز بين مناطق العالم، سيما في مجالي الآداب والسلام، وظلت مستمرة في هذا النهج حتى في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي حتى يومنا! 

 الثانية: وتتمثل في مذبحة قرية "الطنطورة" الفلسطينية في مايو 1948التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بدايات النكبة، والتي أتت على معظم سكانها وأزالت عمرانها، وأضحت أثراً بعد عين، وهو ما كشفت عنه  أيضاً صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في يناير/ كانون الأول الماضي على لسان كاتبها آدم راز، عن اعترافات صادمة أدلى بها، دون أن يرف لهم جفن، جنود قدامى إسرائيليون بقتلهم زهاء مئتي أسير مدني فلسطيني من سكان القرية، وقد جاءت هذه الاعترافات المخزية في فيلم وثائقي لم يهتز له ضمير العالم الغربي البتة، مع أن الفيلم مرشح لنيل إحدى جوائز الأوسكار العالمية عن الأفلام الوثائقية الطويلة٠

 الثالثة: وتتمثل  في نشر وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها سلسلة تغريدات نشرها المؤرخ الاسرائيلي يوسي ميلمان، تؤكد  أنه خلال حرب يونيو/حزيران 1967أحرق جيش الاحتلال الإسرائيلي بقذائفه موقعاً عسكريا مصريا كان محاصراً من قِبله و به أكثر من 20 جندياً مصرياً أحياء، ودفنهم بعدئذ في حفرة جماعية لم يتم وضع علامات عليها، في مخالفة صريحة لقوانين الحرب الدولية، ورفاتهم هي الآن تحت أرضية مواقف سيارات في حديقة كبيرة عامة قرب القدس، ومر هذا الحادث في زحمة الحوادث العالمية المتعاقبة مرور الكرام، ولم يهز شعرة واحدة لدى قادة إسرائيل والعالم الغربي، لا بل أن مصر والدول العربية لم تحرك ساكناً، و ما زالت ملتزمة الصمت المطبق حتى يومنا!

عرض مقالات: