صدر في العام  2022 كتاب جديد  للنصير الشاعر نجم خطاوي بالحجم المتوسط بعدد صفحاته 262 ، تنفيذ واخراج وتصميم النصير الفنان شاكر عبد جابر.

هذا الكتاب هو اضافة جديدة إلى الكتب التي تحدثت عن تجربة الكفاح المسلح للحزب الشيوعي العراقي (تجربة الانصار) في كردستان العراق ونضالهم ضد النظام الفاشي الدكتاتوري، كما أن الكتاب يحوي على موضوعات أخرى هي جزء من حياة الكاتب في براغ ومدينته الكوت التي احب ناسها ومناطقها ..

في مقدمة  كتابه التي عنونها (هذه الحكايات) يقول (اشهد اني كنت الشاهد الاول والاخير على كل فصول وآهات وعذابات مواضيعي ونصوصي وحكاياتي، بمرها وحلوها . وكدت ولأكثر من مرة أن افقد حياتي في لجة وتفاصيل انغماسي في لذة ومتعة هذه المغامرة الانسانية الحياتية الاثيرة ، وبالذات فصولها تلك عند منحدرات وسفوح وقمم جبال بلادي وسهولها الخضراء...ماعساني أن اكتب سوى البوح ببعض كلمات عن شعوري بقسط كبير من الراحة والسكون بعد كتابتي لهذه الحكايات وكأني قد خففت احمالا ظلت توجعني، والاجمل في كل هذا ان نصوصي الحكواتية المتواضعة هذه ستكون ورودي وازاهيري التي امنحها بكل الحب، وعسى ان تجد لها مكانا عند اصدقائي القراء).

يستعرض الكتاب الكثير من المحطات من الصبا حتى وصوله إلى مملكة السويد عام 1992 وكذلك ايام كلية الادارة والاقتصاد في جامعة الموصل وعلاقته في المدينة واصدقائه من الطلبة التي كانت فيها الالفه والمودة وتفاصيل الحياة الجامعية. وشدني في حديثه كثيرا إلى أيام الهجمة من النظام الدكتاتوري الفاشي على الشيوعيين (عام 1978 اجبرتني ظروف السياسة على ترك دراستي في جامعة الموصل والقدوم لمدينة بغداد مواصلاً نشاطي الشيوعي السري متخفيا في ازقة بغداد القديمة )، ونتيجة الخوف من النظام فقد ابتعد عنه أقاربه وأهله حيث يقول (اول من قدم لي العون والمساندة كان عطا ويوم  تخلى عني الاقارب والاهل  ص26)..اتذكر كيف كان الشهيد عطا ذكيا  في ابتكار اساليب كثيرة للتخلص من مطاردة ومراقبة رجال الامن وجلاوزة النظام ورغم كونه عسكريا ولا صلة له مباشرة بالعمل الحزبي حيث عبر عن قلقه وخوفه من المصيبة التي حلت بالشعب والحزب في تلك الايام).

يضطر النصير والكاتب نجم ان يسافر خارج العراق بعد ان عاش معاناة حقيقية في بغداد والمدن الاخرى وقد عمل في الكثير من المهن والاعمال ومنها (العمالة ) من اجل التخلص من مطاردات الاجهزة الامنية، وهو لا يعرف عنها شيئا كونه طالبا في الجامعه.(في التاسع من شباط 1979 حططت رحلتي في سوريا الشام هاربا من الجحيم في الوطن بعد ستة اشهر من النوم في فنادق بغداد الرخيصة وبيوت الاقارب وسيان حي الحيدرخانه، وفي هذا التاريخ بالذات انحشر حشد كبير من المشردين من امثالي ، وبجوازاتهم ووثائقهم المزورة ، وسط المسافرين، مستغلين فرصة السفر للشام بالبطاقة الحمراء التي منحتها الحكومة. ويتذكر الذين عاشوا تلك الايام، صور الدلالات العراقيات وهن يملآن سوق الحميدية الدمشقي  بشيلاتهن وعصاباتهن وجراغدهن السوداء ص153)

يستعرض الكاتب حياته الانصارية مع الكثير من الابطال الذين استشهدوا ببطولة وهو يكتب ويتألم على فقدانهم، حيث عاش سنوات عجاف ومتعبة ومرهقة ولكنها حلوة، لأنه واقرانه وحزبه اختار الكفاح المسلح بقناعة كبيرة ضد هذا النظام الهمجي الذي اراد ان يركع الشيوعيين وحزبهم ويردد (كم انا مدين للرفيق فلان ..وهكذا ) لانه أحبهم وعاش أجمل سنوات الشباب معهم.

ويكتب عن اصدقائه الذين عاش معهم في براغ ( بهاء  وسلمان ونمير ) وقد استشهدوا على الحدود العراقية اثناء العبور من سوريا إلى العراق فيقول (في السنوات السبع التي مرت علي في حركة الانصار كانت صورة وجوه رفاقي الثلاثة لا تفارقني ولم اتخلص من كواكبيس تلك الصدمة عند المعبر الحدودي لقرية (بازفت) ولسنوات طويلة. ستبقى ذكرى الشهداء (سلمان داود جبو ، بهاء الدين احمد الاسدي ونمير رمزي يوسف) خالدة في ذاكرة التأريخ الشيوعي الوطني المجيد المعمد بالدماء الزكية لباسلات وبواسل الوطن ص 47).

ان الوجع عند صديقي الكاتب كبير جدا اراد في كتابه ان يتخلص منه والذي حمله معه طيلة هذه السنوات والذي كان يضرب في وجدانه، فيقول عن الفقيد النصير البطل ابوميلاد (قد يختلف الزمن وقد تختلف الصورة والحدث، ولكن المصير والوجع يشبهان ملامح المقهورين. هو نفس الوجع ونفس العذاب الذي تجلى في رحيل ابو ميلاد غرقا في نهر موسكو، وفي رحيل شمران الياسري (ابو كاطع) في ليلة حزينة وفي حادث سيارة عند الحدود التشيكية الهنكارية، وفي موت هاشم صاحب وابو عليوي وعلاء العاني، من كمد الايام وجور المنافي والغربة، وايضا حين ينتحر ابراهيم زاير (ابو قيس) في شقة في بيروت، وهو نفس الوجع ايضا حين يدهس قطار مرعب في تشيكو سلوفاكيا وفي ايام عيد الميلاد صديقي ورفيقي ابن مدينة الكاظمية، وحين يموت شاب عراقي آخر منتحر في مدينة صوفيا البلغارية برمي نفسه من طابق شاهق في بناية القسم الداخلي الذي يسكنه .

المشهد يبقى واحدا، وان تعددت الصور والقصص والحوادث واخبار الموت والرحيل. مشهد العراقي المعذب والمصاب بمرض مدمن اسمه الشوق والحنين للوطن العصي والبعيد العراق ص 176).

الكتاب هو ليس سيرة حياة، بل محطات نضالية تستحق التضامن معها وتقدير همومها ومعاناتها، عنفوان شباب في زمن قاس ظالم، سلطة ارادت ان تهين الناس وكراماتهم باشكال مختلفة، فكانت المطاردة والاعتقال والسجن والاهانات والتعذيب حتى الموت، وهم يتلذذون بآلام المعتقل ويقومون حفلات لها، وكأن هؤلاء ليس بشرا ، هكذا هي السلطة التي قادها رجل متهور جهز جيوش وخاض حروبا بلا معنى وتسبب في قتل مئات الآلاف من الشباب والنتائج معروفة بأوضاع شعبنا الاقتصادية والاجتماعية والحياتية..الخ.

يكتب الكاتب عن حياة رفاقه وبطولاتهم وعن ملحمة سيريا التي خاض فيها الشيوعيون معركة بطولية امام جحافل قوات السلطة ومرتزقتها من الجحوش (في مثل هذه الايام وبالتحديد في 28 اب 1988 عن تلك الملحمة البطولية التي خطها انصار الحزب الشيوعي العراقي فوق سفوح قرية سيريا المطلة على نهر الشين (معناها الازرق) في منطقة بهدينان في كوردستان العراق، وهم يتصدون وببسالة لجحافل قوات سلطة نظام العصابة المقبور اثناء هجومها الاجرامي ضد قرى وقصبات كوردستان العراق والذي اطلقوا عليه اسم (عمليات الانفال) وهو الهجوم المشؤوم الذي نفذت فصوله بعد توقف العمليات العسكرية بين ايران والعراق في 20 اب 1988. ويضيف الكاتب (..ومع رصاصات التنوير بدأت القذائف والصواريخ والرصاص وهو ينهمر فوق الرؤوس ،حيث احكم الجيش والمرتزقه الجحوش السيطرة على قرية سيريا واحتلوا مرتفعاتها ، اصوات الرصاص يعكر صفو الماء في النهر وغصون الشجر، وسط نحيب وبكاء الاطفال وصراخ النسوة ودون تردد، وفي موقف حاسم ومصيري شرع الرفيق مام خضر روسي بالمناداة على الرفاق وتحشيمهم والاشادة بعزيمتهم وشجاعتهم داعيا الجميع لصعود الجبل ومواجهة القوة العسكرية والمرتزقة وقال – ايها الرفاق البواسل يا بناء فهد وسلام عادل ايها الشيوعيون هذا يومكم يابطال ملاحم هيوه وهناره هبوا لمقاتلة العدو وهزيمته) ...وهكذا بدا الانصار وببسالة متسابقين كالفهود لصعود الجبل في لحظات من الصعب تصويرها عبر الكلمات).

ويكتب صور اخرى عن رفاقه من الانصار (صور وخمسة شهداء، وصفحات عن الرفيق عضو اللجنة المركزية سليم اسماعيل البصري (ابو يوسف) وعن شهيد الكوت والسماوة النصير زهير وشجرة اتحاد الطلبة وكذلك عن المناضل ابو علي الشايب وعن الشهيد سعدون وعن الفقدين ملازم فائر وابو صباح وعن النصير صباح ياقو (ابو ليلى)..ألخ).

ولابد لي اكتب بعض الملاحظات عن الكتاب متمنيا الاستفادة منها لاحقا. إن بعض المواضيع تحتاج إلى كتابة الاسماء الصريحة ،(الهمج وصديقي ص 203) او بعض من الاصدقاء او الرفاق الذي انتحر في بلغاريا او الذي مات دهسه قطار في تشيكو سلوفاكيا)من هم؟ من الافضل ان لاتبقى مبهمة.

ان تاريخ ضرب مقر زيوه هو 5 حزيران 1987 وليس 5/6/1988 كما جاء في ص 141 وكذلك ان مؤتمرالحزب الرابع عقد في 10-15 تشرين الثاني 1985وليس كما جاء 10/5/1985 .

ص 153 السيدة زينب بدل السيد زينب

في صفحة 191 السطر الثاني اسم الرفيق سلام جليل ابراهيم (ملازم فائز).

ص 69 و155 فيها بعض الاسطر مكرره حول الحديث عن الجريح النصير ابو نادية.

في الصفحة 180 بيان اذار 1978 وليس 1987

كتاب الصديق نخلة في قرجوغ كتاب ثمين ويستحق القراءة، وهو يصور حياة مناضلين اشداء عاشوا ظروف قاسية، ويعطي صورا ممتعة ولكن معاناتها كبيرة وكثيرة.

وانني اقدر الجهد الكبير الذي بذله صاحبي في انجاز هذا العمل المثمر الذي اعطى قيمة حقيقية لحياة شباب يناضل من اجل حياة افضل لشعبنا، فلك الامتنان.

عرض مقالات: