مازال يشرق في ذاكرتي ترجمة كتاب (رؤية شرقية) من قبل المترجم عدنان بغجاتي منذ نحو أربعين عاما عن شعر الهايكو الياباني ولقد تلقفته الأوساط الأدبية آنذاك باهتمام وانا منهم ومازلت أحتفظ بكتاب بغجاتي المترجم وتصورت في وقتها انه يشبه في أحسن تقريب شعر الدارمي العراقي وقد تأثرت جدا ببيت للهايكو في الكتاب المترجم مازلت أذكره:

قاس

فراش

الشحاذ

غير أنه

أليف

ومملوء

بأحاديث

الحشرات

ولقد ذكرتني الشاعرة المبدعة بلقيس خالد بالهايكو بعد تعرفي عليها إثر كتابتي عن مجموعتها الأولى أمرأة من رمل الذي أحضرها لي الشاعر مقداد مسعود وقالت اني بصدد إصدار قصائد بالغة القصر في ديوان جديد لها ثم أهدت لي مجموعتها (هايكو عراقي) الذي كتبت عنه مقال نقدي نشرته في أشهر الصحف لكنها قالت لي هذا النمط من الكتابة الشعرية انا أول من كتبته في العراق قلت لها  نعم ولكن هذا يعرفه شعراء العراق منذ السبعينيات حينما ترجمه المترجم السوري عدنان بغجاتي والحقيقة أن شعراء البصرة لم يكتب أحد منهم الهايكو سواها في ذلك الوقت والسؤال هل يحظى الهايكو بمثل ما حظي به شعر التفعيلة بريادة السياب ونازك في تمايزه عن الشعر العمودي وأن يكون بديلا عن قصيدة النثر وهل يمتلك خياره الذي لا يخترعه غيره لاسيما وأن قصيدة التفعيلة خرجت من سياق العمود وظلت تدور في فلك اوزانه متخلية عن ثبات طول التفعيلة والقافية وسرعان ما اصبح الهايكو ظاهرة يكتبها  الجميع بمسميات شتى وآخرها النص الوجيز ولكن هل يملك هذا الشعر مقومات بقائه وترعرعه سيما وانه جاء من بلاد أخرى وأنحدر من تراث وثقافة امة أخرى ام انه (موضة) طارئة تبررها مخرجات  العولمة  وتقارباتها والمحير في الأمر أن تقام للهايكو مهرجانات وهو لم يزل يحبو في بلادنا انا كتبت كثيرا منه لكني أسميته لمحة شعرية انطلاقا من الحداثة في الشعر العربي واستكمالا لها تلك الحداثة التي طرق أبوابها( أبو نؤاس ) والشعر الأندلسي والجدير ذكره أن الهايكو لا يكتب بهذه الطريقة في اليابان التي تتكون من بعض كلمات عندنا إنه يكتب بأكثر من ١٢ بيتا في الوصف والطبيعة تحديدا وأعتقد انه اقرب شبها من الموال (الزهيري) العراقي  حين يكتب في بلده اليابان واللافت انه  لا يعتمد على تداوله في المعاني والدلالات بل على قوة  ما خفي منه لكن البعض كتبه خلافا لأشتغالات الشعر العربي بموجب فرضيات مسبقة وكان  يفترض أن يكتب انطلاقا من أن شعر الحداثة هو محاولات مضادة للسائد تتجاوز قصد الإتمام

ولقد صدق حين قال أحد الإعلاميين المدعوين للمهرجان وهو في حيرة من أمره وبسخرية حين التقيته بالمصادفة (والله دوخوني أذا هو في اليابان ما شأننا نحن ؟؟!!)

عرض مقالات: