ابتعدت منذ فترة ليست بالقصيرة، عن منهج التفكير الذي يفترض إمتلاك قوى التقدم في مجتمعاتنا العربية قدرات سوپرمانية، خارقة، والذي ينهال على تلك القوى باللوم والتقريع لـ ((فشلها في اجتذاب الجماهير، وقيادتها لتحقيق أهدافها)).

 أسباب ابتعادي عن هذا المنهج لا ترتبط بوقوعي في وهم ان تلك القوى خالية من الأخطاء وبريئة من الخطايا. فتجربتي بينت ان تلك القوى تعاني من جوانب عجز، وسوء تقدير للأوضاع، بما يؤدي الى فشل في رسم السياسات الملائمة للوضع السياسي والتنظيمي الذي تعيشه، أمر يقود الى التخبط وانعدام التأثير. ولم أتوان يوما عن نقد سياسات وحتى برامج تلك القوى وتحالفاتها.

 لكني أدركت، ربما متأخرا، ان تلك القوى تتعامل مع مستوى وعي شعبي لا يرتقي لهضم طروحاتها، لتشبعه بأفكار مضادة، واهتمام أوسع الأوساط الاجتماعية بأفكار وتوجهات وتطلعات مغايرة، محافظة، لا يجمعها بالتقدم أي جامع. وهي في مثل هذا والوعي بعيدة عن الأستجابة لمثل وقيم وأفكار التقدم، وتنظر الى ممثليه على انهم غرباء عنها. مهما بذلوا من جهود ونحتوا في صخر جمود الفكر المجتمعي المتخلف.

كما ان من يشكلون القوى التقدمية، ومن يتصدون لقيادتها، لم يهبطوا الينا من كواكب أخرى، هم أناس عاديون محدودو المعرفة والوعي والإمكانيات، هم أبناء مجتمعاتهم، يحملون أمراضها ورواسب تدني وعيها وتخلفها، وتوليهم للمسؤولية لا يجعل منهم اناسا بقدرات خارقة، وربما لا يتمتع بعضهم بأية كفاءة والظروف هي التي حملته الى موقعه.

 وفي كل الأحوال فأن لهم شرف حمل أفكار التقدم والعمل على نقل مجتمعاتهم الى آفاق جديدة. لذلك لا يصح تركيز الهجوم عليهم، وتحميلهم مسؤولية الأوضاع الكارثية التي تعيشها تلك المجتمعات. ونحن ان فعلنا ذلك نخلط الحقائق بالأوهام ونشوش الرؤية، ونبرئ قوى الرجعية والظلام، ونساعدها في تثبيت هيمنتها على المجتمع، عبر إضعاف خصومها التقدميون، وبإعاقتنا لهم نعيق بالضرورة حركة التقدم عن تحقيق النجاحات التي نتطلع إليها جميعا.

ولن تتحق تلك التطلعات دون تقديم الدعم الدائم لكل قوة تقدمية في المجتمع ومساعدتها على تجاوز عثراتها بالنصح والنقد الأيجابي البناء، حتى وإن كان قاسيا في بعض الحالات، دون التهويم في فضاءات الأوهام، وأكبر مساعدة يمكن أن تقدم في هذا المجال ربما تكون في خلق الأجواء المناسبة لمساعي التقريب بين قوى وفصائل التقدم وتوسيع وتعميق أشكال التعاون والتنسيق الممكنة فيما بينها، والأبتعاد تماما عن عمليات الطعن المتبادل والإساءة والتشهير بأي طرف من أطرافها.