تتابعت المحاولات المشبوهة الرامية إلى حرف الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد المتمثلة بأزمة الحكم والنظام، والانفصام المصيري بين عموم أبناء الشعب وطموحاتهم وأساطين المحاصصة الطائفية - العرقية ونهجها التدميري، وذلك بإعادة إحياء جدث الفرقة الطائفية والفئوية التي قبرتها انتفاضة تشرين المجيدة وإطلاق زومبي الطائفية، من جديد، بدعوات تفجير تمثال باني بغداد الخليفة العباسي ابي جعفر المنصور او تهديم مرقد مؤسس " المذهب الحنفي " الإمام أبي حنيفة النعمان قرين وصديق امام الشيعة موسى بن جعفر، اللذين تعرضا كليهما لجور الخليفة العباسي.

هذه الشراذم ليست بلا آباء بل هي مدفوعة من جهات متنفذة في السلطة لا تجرؤ اليوم التصريح، علناً، بحنينها إلى أيام الاقتتال الطائفي التي تؤمن لها بيئة مثلى لابتلاع صناديق الانتخاب والانفراد بالسلطة و الاستفراد بالشعب وابنائه المنتفضين.

 يتفق متابعون لما يجري بأنه محاولة لوضع العصا في عجلات أي تغيير قادم.

يشير بعض المهمومين بقضايا التغيير بأننا لسنا بحاجة إلى " ثورة جياع " كما انتفاضات " الربيع العربي " بل إلى " ثورة فكر "، كما انتفاضة طلاب باريس عام 1968 والتي اكتسحت أوروبا وبلدان أخرى في العالم.

الحقيقة أن ظروف الواقع والصراع الدائر ومسار الأحداث هي التي تحدد طبيعة التوجه وهي ليست مسألة رغبوية وإنما تؤثر بها عوامل متعددة.

عموماً صعوبة الظروف المعيشية وارتفاع مستويات الفقر وشمولها شرائح لم تكن تندرج تحت خطوطها توفر ظروفاً ملائمة لثورة جياع.

 انتفاضة تشرين جمعت بشكل او بآخر " ثورة الجياع " ب " ثورة الفكر " ولهذا كان شعار " نريد وطن "  جامعاً متضمناً مطامح الجميع.

 وبعد تجربة الانتفاضة وما أحاطها من قمع همجي، فاحتمالات اندلاع ثورة شعبية قائمة، حيث تتوفر ظروفها وتجد مقوماتها في مظاهر انقسامات في الطغمة الحاكمة وتعمق التمايز الطبقي بين فئات المجتمع العراقي واحتدام الصراع بين قلة مستذئبة تستأثر بثروات البلاد واكثرية شعبية غارقة في الأزمات والمشاكل من حيث انتشار البطالة وتردي الأوضاع المعيشية لعموم المواطنين من طبقات المجتمع وشرائحه المسحوقة وخريجي الجامعات، وتتوسع لتشمل نخبا فكرية واقتصادية وفنية، تمنع من تقديم إبداعاتها لعامة الناس لرفع مستواهم المعيشي والثقافي وذائقتهم وتشذيب طبائعهم التي شوهتها حروب وقمع الدكتاتور السابق وكذلك ورثته الحاليين الذين أضافوا لها مما في جعبتهم من بهارات تفرقة طائفية وعرقية ومناطقية.

 وهنا تبرز الحاجة إلى تثبيت المفاهيم !

" أعرف أن هناك من يصاب بالذعر عندما يُذكر اسم كارل ماركس "، بيد ان تصنيفه للثورات لازال راهناً وصائباً : " أن كل ثورة تلغي المجتمع القديم هي ثورة اجتماعية، وكل ثورة تلغي السلطة القديمة هي ثورة سياسية ".

وبينما تتجمع الشروط والظروف الموضوعية للثورة، كما أسلفت، وتتبلور وتتضافر وتنضج، فأن الظروف الذاتية لقيامها، المتمثلة بتراص الصفوف ووحدة الرؤى وتوفر قيادة قادرة على إدارة الصراع وتحظى باتفاق واسع، لازالت متعثرة.

لذا فإن محاولات العودة إلى ماضي الصراع الطائفي مستمرة لعرقلة الوصول إلى أيٍ من شكلي الثورة التي أشار لهما ماركس.

في حقيقة الأمر تمتلك الحكومة السلاح القانوني لمحاصرة هذه النزعات التخريبية، حيث منع الدستور إثارة النزاعات الطائفية وصنفها باعتبارها شكلا من أشكال الإرهاب  ( المادة 7 - أولاً وثانياً )* كما فصّل ( قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة  2005 )* في بنوده ما يعتبره ارهاباً، ومنها الدعوة إلى التفرقة الطائفية... الذي يُعد شكلاً من أشكال الإرهاب .

  السلطات الرسمية التي تداري خوفها وجزعها بالادعاء في أحيان كثيرة بأن قتلة شباب العراق جهات مجهولة، ربما هم نفر من الجن لأنها عجزت عن أن تجمع آثاراً لجرائمهم سوى أجساد أكثر من 700 شهيد وعشرات آلاف الجرحى والمئات من المختطفين والمغيبين، سمتها واعلام القتلة بالطرف الثالث ( الذي حل المواطن لغزه منذ الأول لارتكابهم الجريمة ) .

 تشرينيو 2019 أسقطوا قدسية الفاسدين وعرّوا حقيقتهم المرآئية و أطاحوا بالطائفية في ضربة نجلاء تضامنية، رغم فداحة تضحياتهم.

تشرينيو آيار 2021 جعلوا القتلة يكشفون عن وجوههم للعلن بمحض إرادتهم بعد اعتقال أحد منتسبيهم المتهم بقتل ثوار وناشطي كربلاء في استعراض تحدي لهيبة الدولة ولسلام المجتمع.

 وكذلك الأمر بالنسبة للمشاغبين الطائفيين، فإن مجرد اعتقال فرد منهم حتى تسفر الجهة التي تقف وراءهم، بكل غباء، عن وجهها وهويتها برد فعل متهور، ويسهل التعامل بعدها معهم قضائياً.

أعلنتها قوى التغيير جلياً، بدون توفير أرضية مناسبة لإجراء انتخابات حرة وبدون الكشف عن قتلة ابناء العراق وإنهاء ملف السلاح السائب والمال السياسي المنهوب، لا يمر أمر!

والليالي من الزمانِ حُبالى….

   دستور العراق 2005 الصادر عام

*https://www.constituteproject.org/constitution/Iraq_2005.pdf?lang=ar

*2005 قانون مكافحة الأرهاب رقم 13 لسنة

http://iraqld.hjc.iq/LoadLawBook.aspx?SC=290320067056983

عرض مقالات: