في مثل هذا اليوم قبل خمسين عامًا، وفي 4 حزيران 1971، توفي الفيلسوف الماركسي الهنغاري جورج لوكاش في بودابست.

ولد لوكاش في 13 نيسان 1885، وكان والده مصرفيا، ودرس القانون والاقتصاد بما يتماشى مع السائد، لكنه شعر بانجذاب أكبر إلى الأدب. وكان مهتما بالمسرح الحديث وكتب مقالات جعلته كاتبا مشهورا. وفي النهاية قرر ممارسة مهنة أكاديمية وانتقل إلى مدينة هايدلبيرغ الالمانية للعمل على جمالية كانط جديدة.

غيرت الحرب العالمية الأولى 1914 مسار حياته. لقد انغمر لوكاش الشاب، الذي أدان هذه الحرب بشدة منذ بدايتها، في النشاط السياسي، وانتمى في نهاية عام 1918 إلى الحزب الشيوعي الهنغاري وتولى لفترة قصيرة مهمة حكومية كمفوض شعب خلال جمهورية المجالس الهنغارية. وبعد فشل هذه المحاولة الثورية، اضطر إلى الفرار ولم يستطيع العودة الى وطنه طيلة قرابة خمسة وعشرين عامًا. أمضى العقد الأول منها في فيينا.  كانت سنوات للعمل الحزبي والتحليل السياسي، أطلق عليها لوكاش فيما بعد "سنوات تعلم الماركسية". وكانت حصيلتها المقالات التي نشرها في عام 1923 تحت عنوان "التاريخ والوعي الطبقي"، وهو كتاب لا يزال، حتى يومنا هذا، عملاً كلاسيكيًا في الماركسية النقدية.

 اتسمت المرحلة الثانية من سنوات الهجرة بالاهتمام بالأسئلة النظرية. وخلال هذا الفترة، بدأ في صياغة نظريته عن الواقعية في العاصمة الألمانية برلين، وفي وقت لاحق، في الاتحاد السوفيتي، حيث أكمل في موسكو دراسة تفصيلية عن "هيغل الشاب"، واجه الستالينية، وبذات تتشكل أفكاره الأولية عنها في موسكو، واحتاج سنوات لتصبح رؤيته عنها راسخة نظريا. وفي عام 1945 قرر المهاجر العودة إلى وطنه.

 في وطنه، وبعد سنوات الأمل الأولى في ظهور مجتمع جديد، دخل في معارضة مكشوفة مع قيادة الحزب، التي منعت أي تفكير في إصلاح النموذج السوفيتي. وبعد القبض عليه وإدانته في عام 1956 لمشاركته في نشاطات معارضة، تفرغ للنشاط العلمي. وأنتج سلسلة اعماله الماركسية الرئيسة. لقد أدى مرضه وموته الى عدم اكتمال مشاريعه النظرية.

وتتيح 18 مجلدا لأعماله، سيكتمل إصدارها قريبا بالألمانية، لأول مرة نظرة عامة على نتاج كامل حياته الرائعة.  وتبين هذه المجلدات الأسئلة التي شغلته بوضوح: أولاً، رفض الرأسمالية كشكل لمجتمع معادٍ للإنسان، والبحث المستمر عن البدائل، وثانيًا، الالتزام بالماركسية كرؤية للعالم، تشرط التفكير بشكل نقدي، يمكن أن تقدم حلولاً لأسئلة الإنسانية الحيوية. وثالثًا رغبة لا تنقطع في استكشاف العلاقة بين الفن والواقع، والمحاولة مدى الحياة لفهم الصلة بينهما بشكل أكثر دقة.

 حاليا تعمل حكومة اليمين المتطرف في هنغاريا على نبذ هذا المثقف المهم جدا في القرن العشرين، وقامت مؤخرا بأغلاق مؤسسة "أرشيف لوكاش"، الذي يحتوي ارثه النظري والفكري، وكان أحد اهم مؤسسات البحث العلمي. وفي مواجهة محاولة اليمين المتطرف تغييب لوكاش، يتسع ويتعمق الاهتمام بأعماله، ليس في أوربا، والبلدان الناطقة بالإنكليزية فقط، بل في بلدان أمريكا اللاتينية كالبرازيل مثلا، وفي بلدان آسيوية مثل الصين. وفي زمن العولمة تكشف العودة الى ارث لوكاش النظري، انه يختزن قوة الانفتاح على هذه الآفاق.

عرض مقالات: