سيجد العراقيون بعد سنوات قليلة انهم يعيشون في بلد الجفاف وليس في بلد أطلق عليه مسوبوتاميا وأرض السواد لكثرة نخيله وخضرته. هذا ممكن أن يحصل طالما تركيا وإيران تقومان بحجب الماء بحيث لن يتوفر لشعبة ماء  للشرب من دجلة والفرات، ناهيك عن جعل الشعب العراقي يعتمد على منتجات البلدين الزراعية من الخضرة والفواكه، كل هذا يحصل في بلد الحضارات التأريخية ومالك لنهرين يَرتوي منهما وأرضه من الشمال إلى الجنوب، ولا يقف بجانبه معارضون من الكثير من القوى الدينية والقومية في الداخل والخارج، ومن ضمنهم سياسيون يحتلون مواقع هامة في حكم العراق يصرحون بعظمة لسانهم بالحرص على مصالح العراق وشعبه، بما فيهم الكورد،  و حليفهم التحاصصي الثالث الذين سيتأثرون بحبس المياه عن ارض الرافدين، وبذلك سيُضيعون فرصة المحافظة على "بقايا هيبتهما" وسيرغم العراق على قبول هذا الواقع المر الذي وضع فيه، جراء تغيير اتجاه مجاري روافد نهريه لداخل اراضي إيران وتركيا، ناهيك عن بنائهما عشرات السدود على منابع هذه الانهار من قبلهما مستغلين ضعف حكومته، التي ترتبط معهما بمستوى عال جدا من التجارة والتبادل التجاري الذي يصب في مصلحة بلديهما منذ احتلال العراق من قبل امريكا وحلفائها عام  2003.

سلوك إيران وتركيا وعدم اعترافهما بالمواثيق الدولية واحترام ما وقعتهما سابقا من معاهدات، تحرم عليهما، التعرض لحصته المائية. أما حاليا فقد تنكروا لتلك المعاهدات، وبدأوا استغلال تواجد ولائيهما في الداخل، وكأن سلوكهما لا يصيبهم بسوء

 لقد تحول العراق على أيدي الأحزاب المتحاصصة الى دولة ستفتقر تدريجيا لموارد مائية وهي صامته، ملتهية برفع شعارات زائفة وفارغة لإظهار أنها مترابطة، بمواصلة نهجها المحصصاتي المقيت. لكن عوامل الفرقة والتناحر المذهبي والقومي بينهما، يقوداهما إلى لعب دورهما اللاوطني في إرساء واقع سيطرتهما على الدولة والسلطة والمال والسلاح، مما أتاح فرصة أمل لتركيا وإيران الاستيطان في بعض المناطق، وخصوصا في جغرافية كردستان العراق وبعض مناطق شماله.   

 ونتيجة ذلك، راح العراقيون يشعرون بأن مستقبلهم الاقتصادي مظلم هو الآخر، حيث سيبقى اقتصاده ريعيا معتمدا على صادرات النفط ذو الأسعار المتقلبة بين انخفاض وارتفاع، وإذا ما انخفضت أسعار النفط لن يكون بمقدور العراقيين الحصول ما يقتاتون عليه، بسبب عدم وجود موازنات أو تخطيط سليم. فأطماع إيران وتركيا بجغرافيته وثرواته الطبيعية تتزايد وبشكل علانية للدعم الذي يتلقاه كلاهما، من الراكضين وراء تحقيق أجنداتهما من المهيمنين على مواقع القرار.

 تلجأ حاليا إيران لتكتيك جديد يعوض عن المليشيات الولائية الكبيرة. يتم بموجبه تشكيل مجموعات صغيرة يمكن السيطرة على تحركها بسهولة، وهي محكمة التدريب والتجهيز. كما ومنذ سيطرة الاحتلال الامريكي على العراق وتنصيب الاحزاب الإسلامية، تشجعت تركيا على الاعتماد على الركن الثالث في المحاصصة ولا حقا بشكل اساسي على تنظيم الأخوان المسلمين، حيث يقوم هذا الطرف بفرض شريعته على الأقليات الدينية وبقية المسلمين حتى أن تفسيراتهم الدينية تمس بشكل ملموس الحريات العامة والخاصة وكلاهم 

 لم يتركا فرصة لتلتقط الزراعة أنفاسها وتلاحق تطور المجتمع واحتياجات المواطن اليومية الى الماء، وبصورة خاصة منطقة ديالى التي حجبت عنها أيران كثير من الانهر. بينما الحكومة العراقية الحالية والحكومات التي سبقتها توسع استيرادها الزراعي من إيران وتركيا، وهو في تصاعد مستمر يتناسب طرديا مع حاجات الشعب.

بإمكان الحكومة العراقية (لون كانت جادة) استعمال ورقة التبادل التجاري، كعامل ضغط، خاصة وإنه يقدر بعشرات المليارات من الدولار. حيث أن ولائيهم في داخل العراق، دمروا كل الإنتاج الزراعي، وذا ما توفر منه بالسقي السيحي يتم حرقه، مما حدا ببعض المزارعين القيام بحصاد إنتاجهم من الحنطة في الليل، كما حصل ذلك في مدينة القوش.  

عرض مقالات: