ينتمي المثقف النقدي إلى إطار فكري يصطدم ويرفض ويتعارض مع البنى الثقافية القائمة والموروثة، التي تتشكل منها هوية المجتمع الذي يعيش فيه وينتمي إليه، ويدعو ويؤسس لواقع آخر مختلف ومغاير لما هو سائد وقائم.  

ويمكن للمثقف النقدي تعريف هويته، وفقًا لقناعاته ورغبته الذاتية، وللصورة التي يملكها عن نفسه، وبالتالي يحدد هذه الهوية الدور الذي يعتقد هذا المثقف أنه منوط به، على أساس الوعي بهذه الامكانات النقدية وقدرتها على تغيير المجتمع جذريًا. 

ويعاني المثقف النقدي صراعًا مع المعايير والمفاهيم والمسلكيات السائدة، وعدم القدرة في التعاطي مع واقعه، ويجد نفسه لا منتميًا  في إطار ضغط البنى الثقافية والاستلاب الذي يعانيه جرّاء الهوية الملتبسة، ولذلك يظل مهمومًا وقلقًا بين هويتين، واحدة يؤمن ويفكر بها، وأخرى يعيشها المجتمع الذي ينتمي إليه. والمهمة التي يجب أن يضطلع بها هذا المثقف هو التغيير الجذري الشامل لهذا المجتمع. 

وفي حقيقة الأمر أن دور المثقف النقدي في عصرنا الراهن غائب، لأسباب ذاتية وموضوعية عديدة، ورغم ذلك باعتقادي أن ما تبقى من مثقفين نقديين في مجتمعاتنا العربية، بوسعهم تقديم الكثير، فلا خيار أمامهم سوى ممارسة وجودهم ودورهم الثقافي، وهذا هو اهم ما نحتاجه إذا أردنا أن نعيش بكرامة ورؤوس مرفوعة وبحضور حقيقي، والمساهمة في صنع الحداثة والتغيير، وتأسيس المجتمع المدني التعددي الديمقراطي، ومواصلة المشروع الثقافي التنويري النهضوي النقدي الذي بدأه رجالات الفكر والتنوير والاصلاح والنهضة الاوائل، أمثال الطهطاوي ومحمد عبده والكواكبي وشبلي شميل وفرح أنطون واليازجيين وسواهم. 

عرض مقالات: