في 7 شباط الجاري جرت في الإكوادور الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة في الأكوادور والتي فاز فيها مرشح تحالف " الاتحاد من أجل الأمل" اليساري أندريس أراوس، وستجري جولتها الثانية في 11 نيسان المقبل. وفي اليوم نفسه صوت الناخبون لانتخاب برلمان جديد للبلاد، وسيضم البرلمان الجديد 5 مجموعات برلمانية، يتقدمهم بفارق كبير تحالف اليسار أيضا، والذي حصل وفق المعطيات المعلنة على قرابة 50 مقعدا، لا تحقق له أكثرية مطلقة وسيحتاج التحالف التعاون مع قوى برلمانية أخرى لإقرار بعض القوانين.  والنتائج المعلنة غير نهائية وقد تتغير بنسب ضئيلة.

وحل حزب "باتشاكوتيك" ثانيا، وهو حزب يستند على حركة تمثل سكان البلاد الأصلين (الهنود الحمر)، بحصوله على 26 مقعدا، وهي أعلى نتيجة تحققها الحركة في تاريخها. وتقاسم المركز الثالث، كل من حزب اليسار الديمقراطي (حزب ديمقراطي اجتماعي)، الذي حقق نتيجة مفاجئة، والحزب المسيحي الاجتماعي، بحصولهما على 17 مقعدًا. ومني حزب مرشح الرئاسة الليبرالي الجديد غييرمو لاسو بهزيمة قاسية، باحتلاله المركز الخامس، فيما خرج من السباق خالي الوفاض، حزب الرئيس المنتهية ولايته لينين مورينو، الذي حصل في الانتخابات الأخيرة على 77 مقعدا، عندما كان يمثل اليسار، قبل ان يتنكر لبرنامجه الانتخابي لاحقا ويتبنى سياسية يمينية قريبة من الولايات المتحدة الأمريكية. 

انتخابات الرئاسة والصراع المفتوح

لا يزال الصراع بشأن المرشح الثاني، الذي سيواجه مرشح اليسار في جولة انتخابات الرئاسة الحاسمة مفتوحا، بعد قرار إعادة الفرز في بعض المراكز الانتخابية من قبل المجلس الوطني للانتخابات. وستجري إعادة الفرز علنا وعلى الهواء مباشرة وبحضور ممثلين عن أحزاب المرشحين الرئاسيين الثلاثة الأوائل ومنظمة الدول الأمريكية.

والصراع على الموقع الثاني يدور بين ياكو بيريز مرشح باتشاكوتيك، والمرشح الليبرالي الجديد لاسو، لتقاربهما في النتائج المعلنة. ويبدو أن الأمور تتجه لصالح لاسو، ولم يحدد بعد موعد لإعلان النتائج النهائية بين الغريمين.

ودعا بيريز وأنصاره إلى "التزام اليقظة أمام السلطة الانتخابية لمنع تزوير الانتخابات". ونظم الخميس الفائت تظاهرات امام المجلس الوطني للانتخابات في العاصمة، وفي مدن أخرى. ويتحدث بيريز عن "تزوير انتخابي كبير"، مدعيا أن حزبه القوة السياسية الأولى في البلاد.

تعاون الخاسرين

 تدور تكهنات في وسائل الإعلام المختلفة حول الكيفية التي سيتصرف بها الناخبون في الجولة الثانية. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات صرح كل من لاسو وبيريز أنهما سيدعمان بعضهما البعض في جولة الانتخابات الثانية. والهدف المشترك هو منع مرشح اليسار أراوس من الوصول الى قمة السلطة، لان هذا يعني استمرار تجربة "الثورة المدنية"، التي قادها الرئيس اليساري السابق رافائيل كوريا.

بينما يمثل المصرفي لاسو الليبرالية الجديدة التقليدية، يقدم بيريز نفسه على أنه مناصر للبيئة وتقدمي، في حين يرى المحللون أنه وثيق الصلة بالمنظمات غير الحكومية التي تمولها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. وسبق لبيريز ان رحب بالإطاحة بالرئيس البوليفي إيفو موراليس بواسطة انقلاب يميني بدعم من منظمة الدول الأمريكية، التي يعبر الان عن "ثقته" بها.

ومن الواضح أن هناك اختلافات عميقة داخل قاعدة حزب باتشاكوتيك، الذي تمثله منظمة الهنود الحمر "كوني".  وكانت أجزاء من "كوني" قد انتقدت قبل الانتخابات، تصويت برلمانيين يمثلون الحركة لصالح مشاريع الحكومة المنتهية ولايتها. وأشار أحد نشطاء الحركة ريكاردو أولكوانجو في مقابلة صحفية الى أن نجاح حزب باتشاكوتيك ليس مرتبطا بشخص مرشحه الرئاسي، بل بمشاركة الهنود الحمر احتجاجات تشرين الأول ضد رفع أسعار البنزين من قبل حكومة مورينو. وهذا يعني ان ناخبي باتشاكوتيك ومرشحه بيريز سوف لا يصوتون تلقائيًا في جولة الانتخابات الثانية، وفق توجهات مرشحهم. ومن الجدير بالذكر ان أحد أعضاء حركة "كوني" حصل على مقعد في البرلمان الجديد في إطار تحالف اليسار.

مقدمات انقلاب على الديمقراطية

في إطار المحاولات التي يقوم بها معسكر الخاسرين لتغيير نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في الأكوادور، أعلن المجلس الوطني للانتخابات في 12 شباط الجاري انه سيتم، خلال الأسبوعين المقبلين، فتح جميع صناديق الاقتراع في مقاطعة غواياس الساحلية، ونصف صناديق 16 مقاطعة أخرى، من مجموع مقاطعات البلاد البالغ 24 مقاطعة.

وسبق اتخاذ قرار إعادة الفرز اجتماع المجلس الوطني للانتخابات مع المرشحين الرئاسيين غييرمو لاسو وياكو بيريز، المتنافسين على الموقع الثاني حيث حصلا، بعد فرز جميع الأصوات، على التوالي على 19.38 و19.74 في المائة. وقدم بيريز أدلة مزعومة على تزوير انتخابي خلال الاجتماع، وقدم الخاسران طلبا مشتركا بإعادة فرز الأصوات. وحضر الاجتماع ممثلون عن بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الدول الأمريكية.

ويتوقع مرشح حزب باتشاكوتيك وياكو بيريز، أن تكون النتيجة مختلفة تمامًا: سيدفع مرشح تحالف اليسار أراوس، الفائز الواضح بنسبة 32.71 في المائة من الأصوات الى المركز الثالث، وبهذا يحرم من خوض جولة الانتخابات الحاسمة، وسيتنافس هو ولاسو على منصب رئاسة الجمهورية.

وقد اثار ما يجري ضجة كبيرة ليس بسبب مزاعم بيريز التي يبدو أنها غير صحيحة فقط، بل بسبب عدم التزام السلطة الانتخابية بالإجراء المنصوص عليه في قانون الانتخابات، كما يرى وزير الخارجية السابق ريكاردو باتينيو، الذي انتقد أيضا، حقيقة أن المجلس الانتخابي استمع إلى اثنين فقط من المرشحين الـ 16، وفوق ذلك كله، لم يستمع إلى رأي الفائز في الجولة الأولى أراوس.

وغرد عضو البرلمان الأوروبي، واحد مراقبي الانتخابات الدوليين الإسباني مانو بينيدا على موقع تويتر إنه "قلق للغاية بشأن القرارات الأخيرة، وغير القانونية التي اتخذها المجلس الوطني للانتخابات "، حيث يجب مراقبة أي إعادة فرز من قبل جميع الفاعلين السياسيين وجميع بعثات المراقبة المعتمدة.

بالإضافة إلى ذلك، أعرب العديد من المعلقين عن قلقهم بشأن وجود منظمة الدول الأمريكية، التي كانت بعثة المراقبة الوحيدة التي تمت دعوتها إلى الاجتماع من قبل المجلس الوطني للانتخابات، الذي أعلن ان إعادة الفرز استجري "بالتعاون مع بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الدول الأمريكية". ولم يكن هناك ذكر لمراقبين آخرين. ومنظمة الدول الأمريكية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، وصاحبة الدور في تهيئة مقدمات الانقلاب ضد الرئيس البوليفي ايفو موراليس، عندما ادعت ان نتائج انتخابات 2019 في بوليفيا شابها تلاعب، وهو ادعاء ثبتت عدم صحته لاحقا، ولكنه كان مدخلا لانقلاب ضد الشرعية الديمقراطية، لم يعمر طويلا، حيث عاد حزب "حركة من اجل الاشتراكية" بزعامة موراليس للفوز ثانية في الانتخابات التي جرت بعد عام من الانقلاب.

وزادت المخاوف من حدوث انقلاب ضد العملية الديمقراطية، بعد وصول المدعي العام الكولومبي فرانسيسكو باربوسا، الذي وصل إلى عاصمة الاكوادور كيتو يوم السبت الفائت، مدعيا ان لديه معلومات استخباراتية تثبت أن تحالف "من اجل الأمل" اليساري، الذي ينتمي إليه أراوس قد تلقى أموالا من جيش التحرير الوطني الكولومبي. وهو منظمة يسارية تخوض كفاحا مسلحا ضد سلطة اليمين المتطرف في كولومبيا.

من جانبه وصف الرئيس الكولومبي الاسبق ورئيس اتحاد دول أمريكا الجنوبية، إرنستو سامبر، المزاعم ضد مرشح اليسار أراوس بأنها سيئة للغاية. وهي "جزء من لعبة قذرة ينظمها اليمين المتطرف في كلا البلدين للتدخل في جولة انتخابات الرئاسة الثانية في الإكوادور".

عرض مقالات: