تندلع الثورات عند اجتماع عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وغياب العدالة الاجتماعية والظلم والفقر والبطالة وغيرها وهذه العوامل تختلف من بلد لآخر. ومن الضروري ان تنضج الظروف للقيام بالثورة اذ ان عدم نضج الظروف الموضوعية والذاتية يسبب فشل الثورة، فكم من ثورة فشلت في التاريخ بسبب عدم نضوج ظروفها وعدم توافر عواملها الموضوعية. كما ان الثورة تحتاج الى آيديولوجيا تحدد المبادئ والأهداف المنشودة للثورة وتحتاج الى اعداد وتنظيم من قبل حزب معين يقوم بتعبئة الجماهير وتحريضهم على الانتفاض ضد السلطة وضد الظلم والفساد. وبالنسبة للثورات الاشتراكية فإنها تحتاج الى قيادة الأحزاب الشيوعية للنضال كما حصل في ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا بقيادة حزب البلاشفة عام 1917.

ان الاشتراكية في فكر ماركس ليست صيغة منقولة من الخارج كما اقترحها الاشتراكيون الطوباويون وانما هي نتاج حركة الطبقة العاملة، لذا كان الاهتمام ينصب على استراتيجيات الصراع ضد الرأسمالية. وان تحرير الطبقة العاملة سيكون من صنع الطبقة العاملة نفسها، وان النضال السياسي هو وحده القادر على تأمين تحريرها الاقتصادي كما جاء في رسالة الأممية الأولى (1864 – 1872). وسبق لماركس ان عارض اي انتفاضة قبل اوانها بسبب عدم وجود حزب منظم للبروليتاريا لقيادتها. ان بناء الاشتراكية في بلد معين يكون بقوى ذلك البلد وحده، اذ ليس هناك من نموذج للاشتراكية في العالم يمكن اعتباره وصفة جاهزة يجب اتباعها نصا وروحا كوصفات صندوق النقد الدولي الجاهزة، دون ان تعني هذه الملاحظة اهمال التجارب التاريخية وضرورة الاستفادة من دروسها. كما يتعين على كل حزب دراسة خصائص بلده بعمق لكي يحدد اشكال واساليب العمل لتحقيق اهدافه الآنية والبعيدة المدى. ومن الضروري العودة الى الماركسية عند البحث الملموس في مشاكل الواقع الملموس واعتماد الجرأة والمبادرة في اختيار الأساليب والوسائل الملائمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والتخلي عن اشكال العمل التي تجاوزها الزمن.

من القضايا التي ينبغي الاستمرار في بحثها وتدقيقها امكانية تحقيق الاشتراكية في بلد يتسم بضعف تطوره الرأسمالي، ومدى تحقيق الاشتراكية في بلد واحد في ظل العولمة الرأسمالية المهيمنة عالميا، الى جانب مدى مشروعية الدعوة الى نظام حكم ديمقراطي الى جانب الدعوة الى تعزيز القطاع العام وجعله قطاعا رئيسا في الاقتصاد الوطني. ومن الضروري التأكيد على الجدلية بين الاشتراكية والديمقراطية حيث بين لينين: “ان من يريد السير الى الاشتراكية بطريق آخر خارج الديمقراطية السياسية يصل حتما الى استنتاجات خرقاء ورجعية سواء بمعناها الاقتصادي ام بمعناها السياسي ...”. وبينت التجربة ان الاشتراكية مستحيلة من دون اوسع قدر من الديمقراطية ومن حيوية الفكر والتمسك بالروح النقدية ونبذ العفوية في العمل.

ويرى الحزب الشيوعي العراقي بشأن الخيار الاشتراكي كون الاشتراكية عملية حياتية وتنموية مستقبلية ومتجددة مع تجدد الحاجات البشرية وسبل توفيرها. فهي ليست لحظة ثورية، بل عملية بناء متدرج ومتواصل قائم على تفعيل طاقات وابداع المنتجين الأحرار وعامة الجماهير. كما يرى الحزب أيضا ان تصوره للاشتراكية يتحقق من خلال: الدفاع عن مصالح العمال والكادحين وعموم شغيلة اليد والفكر والاسترشاد بالماركسية ومنهجها وبالتراث الفكري التقدمي الوطني والانساني لما فيه خير الانسان وتطلعه الى (وطن حر وشعب سعيد).

لقد طور لينين النظرة الى الاشتراكية من خلال تحليله للإمبريالية والنظام الرأسمالي في مرحلة تأزمه، فقال بحصول الثورة في الحلقة الامبريالية الأضعف “لا الأكثر تقدما كما ذهب ماركس” كما حصل في قيام ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا القيصرية التي كانت أضعف حلقة، مؤكدا على سياسة التعايش السلمي بين الأنظمة المتصارعة بدلا من الدخول في معارك مفتوحة وصراع عنيف دائم مع الأنظمة الطبقية وذلك لحماية الثورة الاشتراكية حين تتحقق في اي بلد. كما ذهب لينين الى القول بإمكانية تحول الثورات الوطنية البرجوازية الديمقراطية الى ثورات اشتراكية، وحدد ملامح الثورة الاشتراكية في المفهوم الشيوعي في مرحلة دكتاتورية البروليتاريا وبالنسبة الى التحويل الاشتراكي في الريف والاقتصاد المخطط والثورة الثقافية ... الخ. الا ان العديد من الأحزاب الشيوعية والمفكرين الشيوعيين ادخلوا تعديلات جذرية على نظريات لينين.

والاستنتاج الذي نؤكد عليه هو ان نموذج الاشتراكية لا يمكن اعتباره وصفة جاهزة لكل البلدان، حيث ان بناء الاشتراكية في بلد ما يكون بقوى ذلك البلد وحده وحسب ظروف البلد الموضوعية والذاتية وضرورة قيادة الحزب الشيوعي للطبقة العاملة ومواصلة النضال، فلا يوجد نموذج للاشتراكية في العالم يمكن اعتباره وصفة جاهزة تطبق نصا وروحا.