نتيجة لظهور مصطلحات جديدة لمفهوم المجتمع المدني بفعل العولمة مثل المجتمع المدني العالمي والمجتمع المدني العابر والمجتمع المدني الدولي اختلف الكتّاب في تعريفهم لكل من هذه المصطلحات. و المؤسسات المالية الدولية تدخل من خلال سياسات المساعدات المشروطة، وإعادة تقييم الأنشطة التنموية لأجهزة الدولة في دول الجنوب، وانتشار الجمعيات الجديدة في الشمال ثم في الجنوب، تحت التسمية الرائجة المنظمات غير الحكومية والحمّالة أوجه وفي موجة إعادة تنشيط أو إعادة بناء نسيج محلي لجمعيات (قروية أو مدينية) مندرجة بانتظام في برامج ومشاريع تنموية، منها برامج مكافحة الفقر مع نهاية الألفية، إنَّ كل ذلك ساهم بربط التنمية بفكرة مُجَمَّع تنموي فعلي. يشير هذا المصطلح إلى شبكة مترابطة من الوكالات الدولية والوطنية، والمنظمات غير الحكومية المحلية أو متعددة الجنسيات، والخبراء، وجماعات الضغط. هذه الشبكة مسؤولة عن تحديد وتنفيذ وإدارة وتقييم مشاريع وبرامج التنمية. كما ساهم بربط التنمية بدور، يوصف بأنه إيجابي، ويكون منوطاً بالمجتمع المدني. ثم إن النضال في سبيل بناء مجتمع مدني عربي حديث ومعاصر تقوم فيه مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية واعلامية على قاعدة احترام حقوق الانسان وحرياته، وبناء فكر سياسي مبني على الديمقراطية في بنيته السياسية الداخلية، أصبحا يشكلان قفزة كيفية على صعيد الفكر السياسي العربي الثوري والنقدي، وبخاصة لدى الاتجاهات الايديولوجية والسياسية  الديمقراطية والتقدمية، التي تطرح قضية النضال في سبيل تحقيق المشروع الديمقراطي الهادف إلى تغيير الوطن العربي تغييراً ، لجهة بناء الديمقراطية، وتحقيق الحرية، والمساواة، والمشاركة السياسية للشعب، كما تفرضه العملية التاريخية، باعتبار ذلك من المستلزمات الأساسية لتحرير الدول العربية من التأخر التاريخي البنيوي، الذي تعاني منه، من أجل الوقوف ضد  الإتجاه  المضاد لجدلية النهضة والسقوط ذات الخصوصية القُطرية، لبعض المحاولات لتشييد أشكال جديدة من التقدم المنطقي والتاريخي. إن الفكر السياسي العربي المعاصر مدعو، وهو يتبنى المنهج العلمي، أي المنهج الجدلي المادي والتاريخي القائم على وحدة المنطق، ونظرية المعرفة، والجدل، أن يتحرر من آثار الدوغمائية الايديولوجية في اطار وحدة العقل والتناقض، من دون المساس بالقيمة العلمية والمحتوى المعرفي للمنهج الجدلي. وهو وحده القادر على التحرر من بنية العقل السياسي العربية المهزومة، والتي تحمل من الأصولية، والقدرية، والقدسية، ما يشكل عائقاً بنيوياً معرفياً في عملية تحرره، من الصنميات، والأوهام، والممنوعات والقيود، التي تشكل الأساس الايديولوجي والسياسي، والثقافي، للايديولوجية العربية المعاصرة، المصابة بالانغلاق والتحجر، والجمود، وموت الحس النقدي الجذري فيها، والتي أحلت الايديولوجيا محل العلم، واستبعدت الاستفادة القصوى من الفروع الجديدة للثورة المعرفية، وحرمت بعضاً من مذاهبها، وقامت بالحجر على حرية العقل ، وتكريس الجهل المعرفي والثقافي والسياسي بالمذاهب المعرفية والايديولوجية والثقافية الأخرى، وسدَّت قنوات الاتصال والحوار الفكري والثقافي معها.‏  

 إن تنافس التنظيمات السياسية مثل الأحزاب في الدول النامية على السلطة، فإنها تعاني من الضعف الشديد لأسباب داخلية تتعلق بالتنظيم والديمقراطية الداخلية والانتماء الحزبي، بالإضافة إلى عوامل خارجية تتمثل في إستغلال الأنظمة لمؤسسات الدولة لإجهاض أي محاولة حقيقية لخلق منافس سياسي ينازعها سلطانها، وهكذا تُفرِغ الأحزاب من قدراتها. وهنا تكمن أهمية المجتمع المدني ومنظماته، حيث أنه أكثر ديناميكية وقدرة على التأثير، فهو غير منافس على السلطة، كما أنه أكثر تحديدا في تناول القضايا التي يتبناها ويتعامل معها. ولكن هذه الأهمية تجعل منه أيضا هدفاً لريبة وتوجس الأنظمة السلطوية التي تخشى التنظيم أو الحراك الشعبي الخارج عن رؤيتها وسيطرتها المباشرة. ولم تنتج الأنظمة الحاكمة في دول العالم الثالث  عن تفاعلات بين الهياكل المجتمعية تبلور عنها نظام سياسي معبِّر عنها، بل أن السلطة في مصر مثلاً، مثلها مثل العديد من دول العالم الثالث، نتجت عن مجموعة من المتغيرات الناتجة عن عوامل إما خارجية مثل التغيرات الدولية وملابسات نيل الاستقلال، أو داخلية مثل الثورات والانقلابات العسكرية. ويتميز خطاب الأنظمة الحاكمة الناجمة عن تلك المعطيات بالشعبوية والكاريزمية التي تضمن لها ألاّ يخرج التنظيم المجتمعي عليها.وهنا تصطدم الأنظمة، في غياب المعارضة السياسية المقموعة عادة، بمنظمات المجتمع المدني، سواءاً  التنموية أو الحقوقية، التي وإن كانت بعيدة عن العمل السياسي ولا تستهدف الوصول إلى السلطة، إلاً أنها تُشكل خطراً على التنظيم المجتمعي الذي تسعى الأنظمة السياسية للحفاظ عليه وفق معادلات تضمن لها مصالحها وبقاءها. ويتمثل الصراع في شقه الأكبر في جهود السيطرة على التنظيم وحجم التأثير في المجتمع، فتصدر الأنظمة قوانين تُضيّق مساحات عمل منظمات المجتمع المدني، أو تلجأ إلى الأساليب الأمنية المقيِّدة للحريات، في مقابل استراتيجيات تستخدمها المنظمات من أجل ضمان الحد الأدنى من مساحة الحركة والعمل.          

وبالتوفيق بين قبول ورفض الاحزاب فهو يستبعدها من دائرة المجتمع المدنى فيما إذا وصلت الى السلطة ويقبلها حين تكون خارج السلطة وفى هذا عودة لما تَحدَّث عنه فلاسفة القرنين الثامن والتاسع عشر بخصوص التمييز بين المجتمع المدنى والمجتمع السياسى ولعل السبب في هذا التمييز يعود الى ان المجتمع السياسى يسعى بشتى الوسائل للهيمنة على المجتمع المدنى سواءً للافراد او الجماعات محاولاً التاثير في واقعه ومستقبله سواءً  كانت سلطات حاكمة أو احزاب معارضة لذلك فان غالبية دعاة المجتمع المدنى لا يعتبرون المفهوم يشمل الاحزاب السياسية لانهم معنيون بالاهالي في حين ان الاحزاب معنية بالسلطة لذلك يمكن اعتبار المجتمع المدنى قد مرَّ بعدة  مراحل , مرحلة التأسيس والانطلاق وهى خلال القرنين الثامن والتاسع عشر, أما المرحلة  الثانية  فهي مرحلة الركود وتشمل نهايات القرن التاسع عشر والقرن العشرين حتى الثلث الاخير منه مع مرحلة وسيطة ما بين الحربين العالميتين الاولى والثانية, والمرحلة الثالثة   فتشمل اواسط القرن العشرين وهذه مرحلة الانتعاش والعودة الجديدة خاصة باتساع وتعمق المفهوم وهنا لعبت منظمة الامم المتحدة على صعيد تشجيع مؤسسات المجتمع المدنى منذ تاسيسها عام 1945 في مؤتمر سان فرانسسكو,  المرحلة الرابعة فقد  بداءت قبيل نهايات الحرب الباردة والصراع الايديولوجي وخصوصا في فترة الوفاق الدولى في اواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات والمعروف في هذه الفترة انتهت الثنائية القطبية حيث كان المعسكران يركزان  على  اهمية الامن القومى على حساب المجتمع المدني بشقي العالم الغربي  والشرقي اضافة الى البلدان النامية إلاّ انه في مطلع الثمانينيات برز خطاب المجتمع المدني وتحديداً في دول اميركا اللاتينية وفى اوروبا الشرقية بعد إنهيار جدار برلين  حيث تطورت بعض المؤسسات تطوراً كبيراً .                           

المجتمع المدنى ما له وما عليه على الصعيد العربى الواضح ان وظيفة المجتمع المدنى هى فرض الهيمنه عن طريق الثقافة بدايةّ ثم العقائدية - الايديولوجيا - الاّ ان السيطرة والإكراه هى وظيفة المجتمع السياسى ان المجتمع المدنى هو المؤسسات التي تتيح للافراد الحصول على المنافع بشتى صورها بعيداً عن تدخل الحكومة في فكرة المجتمع المدنى على اعتبار انها علاقة قائمة بين المجتمع بمختلف اطيافه والسياسة بمختلف مسمياتها لانها ناتجة قطعاً عن صراع بين ما يطلق عليه الحق الطبيعى وفكرة العقد الاجتماعى - اشارة لا بد منها على اعتبار ان صاحب نظرية العقد الاجتماعى هو جان جاك روسو وهو الذى نادى بالتحلل من الهيمنة الدينية على المجتمع وبالضد مع نظرية الحق الإلهى فهو اقرب الى فكرة اتفاق في اطار المجتمع وبين افراده لتاسيس السلطة بمعيار دنيوى مدني اي وضعياً  وليس إلهياّ. وهنا لابد من الاشارة الى الموقف الرسمى العربى منها التى لا تزال تدير تفاعلات المجتمع بعقلية احادية لا تحتمل التعددية الديمقراطية مرتكزه الى القوة السياسية لصناعة القرار على كل الاحوال ان التزايد المستمر في عدد مؤسسات المجتمع المدني لا يعني انه بوضع صحي ممتاز فهي تعاني في مجملها من القيود والعوامل الناجمة عن كبوات التحول الديمقراطي في الوطن العربي ولكن تتفاوت اوضاع هذه الهيئات من بلد عربي لاخر وذلك حسب النمط السياسي السائد في هذا البلد او ذلك  فهناك دول فيها تعددية سياسية وحزبية مقيدة مثل مصر ولبنان والجزائر ...الخ وهناك اتجاه واضح لنمو مؤسسات المجتمع المدني اكثر من تلك النظم السياسية المحافظة حيث يلاحظ انخفاض عدد ونوعية المؤسسات ذات الطابع المدني في حين تنشط عندهم الجمعيات ذات الطابع الديني وهناك دول لا تسمح بتاسيس جمعيات او هيئات او منظمات اهلية ولكن تسمح بتاسيس لجان شعبية تمثل امتدادا للسلطة مثل ليبيا زمن معمر القذافي  . ودول تؤسس اتحادات نوعية تهيمن عليها الدولة كالعراق سابقا , وواقع الحال يقول ان تاثير مؤسسات المجتمع المدنى في الوطن العربى ان وجدت فهو ضئيل ومحدود وهو غير قادر على فرض ارادته او رغباته على قرارات الدولة وحقيقة لا توجد مؤسسات او هيئات او منظمات مجتمع مدني في البلدان العربية مستقلة عن الدولة وقادرة على التاثير فيها والنظام الرسمى العربي يقبل بفكرة وجود منظمات غير حكومية اهلية مستقلة عن الدولة في بعض الاقطار العربية مثل لبنان والبحرين والكويت ..الخ , ولا بد من الاشارة ان مناقشة مفهوم المجتمع المدنى لا بد ان يستهدف السعي لإخراج المصطلح من الانحيازات المسبقة بين التأيِّد والرضى واليقينية حد التقديس عند البعض وبين التنديد والسخط والاتهام عند البعض الاخر وربطه بالمعطى التاريخي الاجتماعي المتحرك لكي يمثل الطاقة الكامنة لدى فئات اجتماعية ومهنية واسعة للاسهام في صنع المستقبل السياسي والمشاركة في رسم السياسات من خلال نقد الخطاب بين المعارضة والسلطة احياناً عبر منحى ثالث يمثل خياراً  مجتمعياً لتفعيل المشاركة وضمان الحقوق الانسانية وضمان الحريات العامة والخاصة على كل الاحوال ان الاصوات العربية التى نددت في اطروحة المجتمع المدني الجديدة لم يكن منطلقها من ذات الرؤيا وذات الاطار فمنهم من اعتبره مستورد ودخيل وبنفس الوقت مشبوه وهذه نظرة الجماعات المحافظة والتقليدية بينما يرى البعض الاخر من زاوية اقترابها من الصراع مع القوى المهيمنة على الصعيد الدولي اي العكس .