نعم .  . تغيّر العالم و تغيّرت الحاجات ـ عدا الانسانية منها ـ و تغيّرت اشكال و انواع الآمال و العلاقات الاجتماعية، و صارت مفاهيم التغيير و الثورات تتغير في عصر الانترنت الاقتصادي و الاستثماري الذي لن يتزحزح (كعصر الكهرباء الذي سبقه)، العصر الذي قرّب الشعوب و الشباب و رمى بملايين تخلّفت او جرى العبور عليها، الى الشارع . . و اظهر اجيالاً شابة جديدة مستعدة للقيام بالجديد، اضافة الى انه تميّز بظهور الحركات الشعبية الاحتجاجية الواسعة التي ضمّت اجيالاً شبابية متنوعة، بسبب البطالة و البطالة المقنعة و الخداع و الاستهانة، التي ازدادت بسبب النهب الذي اجهز على عشرات آلاف المعامل الصغيرة و الورش لمصالح انانية ضيّقة، و حطّم التعليم و التعليم المهني و الغى الضمان الصحي و افترس الكثير من الضمان الاجتماعي . .

  و تشكّل ثورة تشرين البطولية رغم نواقص طبيعية سيرد ذكرها، ثورة اجتماعية حطّمت الطائفية و العرقية التي جرى بعثها و صنعها من الكتل الحاكمة و من وراءها بكل طرق الخديعة و الوحشية و اساليب القتل و التهجير و الارهاب الجماعي طيلة سبعة عشر عاماً . . ثورة اعادت للشعب روحه الوطنية و وحدته و عنفوانه، و اعادت للمرأة و للشباب دورهم الريادي في التغيير، بتضحيات غالية بلغت الـ 1000 الالف شهيد و شهيدة ( ضمنهم من فارق الحياة بعدئذ بسبب جراحاته الخطيرة و من جرى اغتياله و من اختطف و وجد جثمانه الطاهر)، و اكثر من 26 الف جريح و معوّق جسدي، اضافة للمعوقات و المعوقين النفسيين . .

  ثورة هزّت عروش المتجبرين بالوانهم و صدّعت الكتل و الاحزاب الحاكمة التي تغيّر خطابها و تبدّلت حتى لغات صراعات افرادها علناً و على الشاشات و اظهرت كتلاً برلمانية جديدة و سعيها لتشكيل احزاب باسماء جديدة لتبتعد عن الشبهات، في محاولات لإسترضاء الشارع الذي اسقط حكومة عبد المهدي . . ثورة حصلت على تأييد المرجعية الدينية العليا للسيد السيستاني التي شاركت بدعمها لوجستياً ايضاً، و دفعت الحكومة الجديدة للبدء باتخاذ اجراءات ضد الفساد رغم بطئها .  . و افشلت ما آلت اليه العملية السياسية، التي أدّت الى حكم تحالف الفساد و الميليشيات الولائية التي صارت هي التي تحتل البلاد بتقدير اوسع الأوساط الشعبية، و كما عبّر عنه اكثر من باحث و سياسي و برلمانيون سابقون على الفضائيات علناً.

 في مسيرة سلمية رغم انواع الآلام و التضحيات، و تتطور فيها الافكار و الوعي و السعي للتعاون مع كل القوى و التجمعات المنادية بالدولة المدنية و حل الميليشيات المسلحة، مع كل القوى التي اثبتت صدق مساعيها و قدّمت اعداداً من الشهيدات و الشهداء و انواع التضحيات على ذات السبيل و في ساحات الإحتجاجات ذاتها . . بعد ان اثبتت المسيرة من معاناة اطيافها، وعيها و وضعها لأهداف جسّدت و تجسّد ماهية معاناة الشعب العراقي بالوان طيفه، و ما يريد، و ضمّت اجيالاً متفتحة الذهن للتطور و التعلم و رؤية الجديد الممكن.

و حصلت على اوسع تأييد جماهيري و هي تضم شابات و شباباً من آلاف عوائل مقاتلي " الحشد الشعبي المقاتل" و انواع ضحاياها في محاربة الارهاب (و ليس مجاميع افراد الحشد الجالسين في المقرات المكيفة و التي مارست و تمارس انواع الارهاب بحق من يرفع صوته مطالباً بحقوقه، ممن يمتهنون انواع المقاولات السوداء)، نعم . . حصلت على اوسع تأييد في تأريخ العراق منذ عام 2003 ، رغم انواع الفتن و المؤامرات التي استهدفتها و مؤامرات اوساط دخلتها لتستولي عليها او تسعى لتحطيمها بالقتل و الاختطاف و بانواع العنف و اثارة الإرهاب، منها بملابس رسمية و اخرى بقبعات زرق، و اخرى و اخرى، بشعارات تثير الفرقة و الفتن .

  مسيرة بدأت بصرخة شابات و شباب شجعان، صرخة " اريد وطن " التي غيّرت الكثير و ارعبت الحكام، و صدّعت مؤسسات الحكم و فرضت عليها تغييرات هامة .  . مسّت هياكلها الاساسية و لكن ليس زعمائها . . مسيرة حطمت حاجز الخوف الذي شُيّد منذ زمن الدكتاتورية، و الذي اقامته بكل اجراءات الموت و التعذيب و الألم بحق ابسط معارضة، و الذي استمر بعدئذ بالمقدس و الارهاب و انواع القتل على الهوية.

  مسيرة، لم تعد الوعود تنفع معها، بعد ان ايقظت الشعب، الذي بانواع المعاناة و الحياة المرّة و بفضل ايقاظها له، لم يعد جاهلا كما كان حاله الذي ورثه من صدام و استلموه هم . . مسيرة طالبت في البداية بمطالب حياتية و ووجهت بانواع العنف و النار، لتستمر مطالبة بتغييرات ضمن احكام الدستور الاساسية في الدمقراطية و التبادل السلمي للسلطة، و قابلوها بعنف منقطع النظير اكبر، بل و ضحك عليها الفياض من مؤتمر في دهوك بقوله (ان المتظاهرين اطفال لايفهمون بالسياسة و لا يعرفون الكلام بها) ؟؟ (يتبع)ش

عرض مقالات: