عاشت باريس والمدن الفرنسية الخميس الفائت حركة احتجاجات واضرابا عاما، شارك فيها أكثر من مليون مواطن. وجرى تنظيم أكثر من 250 تظاهرة في جميع أنحاء البلاد، بمشاركة جميع الفئات المهنية، بما في ذلك دوائر الشرطة والإطفاء. من جانب آخر حذرت النقابات الكبيرة من عصابات "كاسري الاضراب" المرسلين من الدوائر الأمنية. ويقول متابعون ان أكثر من ثلثي السكان يرفضون مشروع "إصلاح" نظام المعاشات التقاعدية، الذي يعمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على اقراره.
وان أكثر من نصف السكان يدعمون الاحتجاجات ضد السياسات الليبرالية الجديدة المصرة على خصخصة آخر الشركات المملوكة للدولة. وتنظيم سوق العمل بالضد من مصلحة العاملين، وهدم المكتسبات الاجتماعية التي حققتها الطبقة العاملة ونقاباتها، وتدمير التضامن داخل المصانع. وتتوجه المقاومة ضد خطط الحكومة الرامية الى تعزيز تميز المجموعات المهنية القليلة ووضعها في مواجهة العمال الفقراء في إطار النظام الاجتماعي القائم. ويمثل مشروع "التقاعد الشامل" الحكومي، بالنسبة للجميع خدعة جديدة في سياق برنامج الحكومة.
لقد عكست احتجاجات الخميس الفائت بوضوح ان الناس لا يثقون بـ"حقائق" يدعيها الرئيس، منذ توليه مهام منصبه في عام 2017. وعلى الرغم من شتاء أوربا القارس، وتحت درجات حرارة جليدية تقريبا خرج مئات الآلاف الى الشوارع، موجهين رسالة ملموسة للمهيمنين، ووفق معطيات اتحاد نقابات سي جي تي اليساري بزعامة مارتينز فيليب، خرج الى شوارع العاصمة أكثر من 200 ألف محتج. ولم يجد نفعا إنزال 6 آلاف عنصر من وحدات الشرطة الخاصة المزودة بالأسلحة المدرعة، و180 دراجة نارية حملت ما مجموعة 360 من رجال المهمات الخاصة، فضلا عن عدد غير محدود من طائرات بدون طيار مزودة بأحدث الكاميرات.
وأعلن القادة النقابيون ان الانتفاضة ضد ماكرون ستستمر في الأيام المقبلة، وإذا كان ذلك ضروريا، فان الاحتجاجات والاضرابات سوف لا تنتهي حتى عطلة أعياد الميلاد المقبلة. وأعاد مسار الانتفاضة العمالية ذكريات شتاء عام 1995 عندما قام الفرنسيون بإفشال خطط المعاشات التقاعدية لرئيس الوزراء المحافظ اليميني الاسبق آلان جوبيه ورئيسه جاك شيراك في الفترة من 24 تشرين الثاني إلى 15 كانون الاول. لقد ناضل العمال والحركات الاجتماعية ضد سياسات الانقسام الاجتماعي. و أدت إجراءات الرئيس خلال عامين، وخصوصا من خلال قانون العمل الجديد الى تدمير التضامن بين العمال الاجراء، لتحل محلها النضالات الفردية، وهذا ما عبر عنه العديد من المتظاهرين الخميس عبر وسائل الاعلام.
ويريد الرئيس ورئيس حكومته اليميني المحافظ إدوارد فيليب توحيد نظام التقاعد على أساس تخفيض المعاشات، عبر لعبة رفع الانفاق الحكومي لبعض الشرائح مثل دعم الأمهات اللواتي يتكفلن تريبة اطفالهن بمفردهن، وتعويض النفقات المترتبة على ذلك عبر رفع سن التقاعد، أي تحميل الأمهات وعموم العاملين تبعية هذا الاجراء الجزئي. وقد أكد فابيان روسيل، السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي ان "هناك بالتأكيد رأس مال كافٍ في البلاد"، ونصح روسيل الرئيس ومؤيديه من كبار الرأسماليين، "لم يحدث من قبل أن حصلت فرنسا على الكثير من الأرباح كما في السنوات السابقة. ولم يدفع سنتا واحدا لتمويل صندوق التقاعد. وان الإصلاح ضروري بالفعل، وهناك الكثير من عدم المساواة. لكن يجب على ماكرون اخذ الأموال، حيث تتراكم في الحسابات المصرفية".
وتشير أحدث استطلاعات الراي الى ان ماكرون لا يفهم مخاوف الشعب العميقة. وان 64 في المائة من السكان متأكدين من ان "الرئيس لا يستوعب ببساطة صعوباتهم الاجتماعية".

عرض مقالات: