تطور شعار المتظاهرين من مناشدة الرئاسات الثلاث بشكل تصاعدي مع تعنت وصمت الرئاسات الثلاث لمدة 16عاما ، إلى المطالبة بإجراء إصلاحات لحياة ديمقراطية سياسية وإقتصادية وإجتماعية ، إلا أن الحكومات المتعاقبة تجاهلت مطالب حراك الجماهير الشعبية ولم تقدم على الإصلاح ، بل تمادت السلطات الثلاث في تصعيد وتثبيت ركائز نهج المحاصصة الطائفية والإثنية المقيت . ومع تزايد وتصاعد نقمة الجماهير الشعبية لما وصلت اليه البلاد من أوضاع مأسوية وويلات حياتية يومية ،لا تتناسب وحقوقها الأنسانية المصادرة من قبل المتقوقعين على مواقع القرار في الرئاسات الثلاث، مصرين على مواصلة نهجهم التحاصي الذي كان وراء إنتشار الفساد والمحسوبية في مرافق الدولة ، وإتساع رقعة الفقر بين صفوف الشعب ، نتيجة البطالة ،والشعور العالي بتضييع الوطن وتمييع الروح الوطنية وعدم الإستجابة حتى لتحقيق جزء بسيط من مطالبه الحياتية في ايام الجمع ، سيما وإن العراق يُحسد على ما يملكه من ثروات طبيعية ووفرة المياه ، لكنه بقي يشرب الماء الغير صالح للشرب وغياب الكهرباء ، فتحول شعار الإصلاح إلى الإصلاح والتغيير الحقيقي ، وعندما إتسعت رقعة التظاهر وتحولت إلى إنتفاضة شعبية في الأول من تشرين الأول الماضي ، نتيجة تجاهل متبني المحاصصة  شعارات المنتفضين الشباب بالتكابر والصمت حيالها ، تغير شعار المنتفضين إلى لتغيير الشامل الكلي للواقع العراقي ، بكنس  القائمين عليه من الفاسدين والمتورطين بالسحت الحرام . وهم يدللون عبر ذلك الشعور العالي بالمسؤولية تجاه مسار مصالح الشعب والوطن ، كما دلل على نضج وتنامي الحس الوطني لدى جيل الحداثة . فحناجرهم نادت بحاجة الشعب لنظام إجتماعي مدني يحمي مستقبل أجيالهم من عواقب الامور ، فإضطر المتحاصصون على التصريح بقيامهم بإصلاحات ، لكن الجماهير إستبقتهم بمعرفة أن تصريحاتهم ماهي إلا ذر الر ماد في العيون نتيجة مراهنتهم على عامل الزمن ، بالإضافة لفقدان ثقة الجماهير بهم ، معتبرين تصريحاتهم  قشرة ممكن فضها عن جسم سياسة محاصصتهم لمؤسسات الدولة كافة ، عندما يتم لجم الفراغات التي كونوها بينهم وبين الجماهير الشعبية ، وبشروط بقاء نهجهم المحاصصاتي كبوصلة تفاهم فيما بينهم لبقاء تقسيم كعكة العراق فيما بينهم ، وفق مبررات طائفية وقومية ، وخاصة بعد أن حموا ظهورهم بمليشيات مسلحة وتعزز مواصلة فقدان الرؤية الاستراتيجية لتقديم الخدمات بإستدامة التنمية الأقتصادية والمجتمعية لكافة مكونات المجتمع العراقي بين صفوفهم ،  موسعين سيطرة من يخل بالوحدة الوطنية وتفكيك المجتمع ، وتماديهم بحصر إدارة مؤسسات الدولة العراقية الإدارية والأمنية بأيدهم فحسب ، ومواصلة إبعاد الوطنيين ومنتمي المكونات العرقية عنها.  

كل ذلك دفع بالمنتفضين إلى ضرورة إيجاد الحاجة الى لإستخراج الآراء وتكوين تصور عام عما يساعد على تعظيم الجوامع  لذر الرماد في عيون المنتفضين ، ومع تصاعد الإضطهاد الوحشي الذي قوبل به الحراك الشعبي السلمي من قبل القوات الأمنية للحكومة  بإستعمالها الرصاص الحي مجددا بالإضافة للقنابل المسيلة للدموع المعدلة والصوتية لقمع المنتفضين فراح ضحية ذلك ليومنا إلى أكثر من 432 شهيدا و19 الف جريح ، جراح بعضهم تترك إعاقة جسدية مستديمة.

 إن ما زاد الطين بلة نسب ذلك لمجهولين أو طرف ثالث كما صرح به وزير الدفاع ومسؤول امني رفيع أثناء تصاعد أسوء حملة قمع بحق المتظاهرين السلميين منذ تاسيس الدولة العراقية.  

ومما زاد من إصرار المنتفضين على كنس محرفي مسار العملية السياسية من المشهد السياسي ، هو عمليات إختطاف النشيطين وتغييب البعض منهم و اطلاق سراح البعض منهم بعد أخذ تعهد منهم بكفالة وإجبارهم على توقيع وثيقة يُنبذ بها حق التظاهر ، و في الوقت الذي صبغوا به ساحات التظاهر بالدماء ، أضطر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى تقديم إستقالته التي أعتبرت خطوة أولى لبداء التغيير الشامل الذي ينادي به المنتفضون يليها المطالبة بتفعيل مهام رئيس الجمهورية دستوريا وحل البرلمان ، وتشكيل حكومة تمشية اعمال لحين أجراء تعديلات على الدستور( سر معاناة شعبنا ومآسيه) ، وقانون إنتخابات يتماهى وما ينشده المنتفضون ، وإجراؤها (الإنتخابات) تحت إشراف الامم المتحدة  وسن قانون الأحزاب وتفعيل القضاء العراقي بمحاسبة المقصرين والفاسدين وإسترجاع ما نهبوه من الشعب والوطن لتعود الروح الوطنية مصانه بقوانين ودستور يساير متطالبات الجماهير المنتفضة.   

  لقد أعتبرت الجماهير الشعبية أستقالة عبد المهدي وغياب اصوات الاطلاقات النارية في ساحات التظاهر ، على الرغم من رسمها الفرحة على وجوه المنتفضين غير كافية إذا لم تكن مشفوعة بالتغيير الشامل والكامل الذي يأخذ بنظر الإعتبار إغلاق تام لدكان محاصصة الأحزاب الحاكمة نهائيا.

عرض مقالات: