لقد كان  للتداخل الكبير للمجتمع العراقي مع محيطه البشري  والتغيرات الديموغرافية الكبيرة التي حصلت فيه على مرّ القرون الماضية هي التي صنعت الصورة الحالية للمجتمع. وقد تركت هذه التغيرات بصماتها في بنية المجتمع وبناءه الفكري والنفسي، وبما أن الفكر الديني هو المؤثر الأكبر في المجتمعات الشرقية عموماً والعربية خصوصاً طوال تاريخها القديم والحديث، فقد نقل الفكر الديني تأثيره في السلوك الطبيعي للأفراد اتجاه الآخرين من المخالفين له. والموقع الجيوسياسي للعراق كان أحد الأسباب الأساسية التي زادت من أهميته فهو يمثل حلقة الوصل بين آسيا والدول العربية، والسيطرة عليه يعني السيطرة على منطقة القلب بالنسبة للعالم القديم أو الحديث. وموقع العراق في الجزء الجنوب الغربي لآسيا جعله طوال تاريخه الممر الطبيعي الأسهل الذي يربط وسط آسيا ببلاد الشام وجزيرة العرب ومنها إلى إفريقيا أو العكس، لهذا كان العراق ممراً للهجرات البشرية، بداية من العصور القديمة وهجرة الجماعات السامية الأولى من جزيرة العرب والتي استوطنت مناطق وسط وشمال العراق، وأسست الدول الأولى المعروفة في التاريخ (الأكديون والبابليون والآشوريون).

 بدأت الدولة الجديدة تتشكل بيد أجنبية من خلال الحاكم المدني الجديد للعراق وفق نظرية المكونات العراقية (الشيعة العرب، السنة العرب، الكرد، الأقليات الأخرى)، وتم تقسيم الشعب العراقي وفق الطائفة والعرق بنظام محاصصة غير مسبوق في تاريخ الحكم في العراق.  كان من أبرز علامات الدولة الجديدة سيطرة التيارات الإسلامية وخصوصاً الشيعية وتحكمها في الوضع العراقي مع وجود قوة مسلحة داعمة لها، وهي أذرعها العسكرية التي كانت تتواجد في إيران ثم انتقلت إلى العراق بعد الاحتلال، مع وجود للتيار القومي الكردي في المنطقة الشمالية واضمحلال واختفاء التيار القومي العربي، (وباستثناء تأثير الأحزاب الإسلامية فقد غاب الفعل السياسي المؤثر في التكوين الجمعي للرأي العام العراقي، ولوحظ تهميش نسبي للأحزاب الأيديولوجية التاريخية( الحزب الشيوعي العراقي)، أما الأحزاب الصغيرة فقد بدت بمنزلة تجمعات مكتبية لا يزيد عدد أعضائها على عدد موظفي مكاتبها). إن طبيعة النظام السياسي الذي تم تطبيقه في العراق مع تبعية كثير من الأحزاب إلى دول خارجية وتدخل هذه الدول في الوضع العراقي بالإضافة إلى ضعف إدارة الحكام الجدد وانتشار الفساد المالي بينهم أدى إلى حالة من الضياع والصراع على مراكز السلطة، وكان نتاجه سيطرة المكون الشيعي متمثلا بأحزابه الدينية والمدعومة إيرانيا على الدولة ومؤسساتها وخصوصاً مع انزواء الكرد ومحاولة ابتعادهم عن المشاكل الداخلية إلا بما يتعلق بإقليمهم والذي تحول إلى كيان شبه منفصل في الشمال. لاشك ان هذه المرحلة مرحلة ما بعد داعش تحتاج الى سلم أهلي ومبادرة شاملة للوئام الاجتماعي تساهم فيها جميع الاطراف السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وحتى المؤسسة الدينية’ ، بهدف الوصول الى اعادة اعمار وبناء ما هدمه ودمره تنظيم داعش الارهابي من بنى تحتية وعلاقات اجتماعية  وانسانية اثرت في النسيج الاجتماعي العراقي المعين الاساسي وقاعدة بناء أي جيش وطني يتولى مسؤولية حماية أمن واستقرار العراق. هذه المشاكل لم تكن وليدة اللحظة التي دخلت فيها الجيوش المحتلة إلى العراق، بل كانت لها عوامل كثيرة منها آنية أو تاريخية ساعد الدخول الأجنبي الحديث على كشفها وعمل على تضخيمها خدمة لمصالحه. وقد يكون المشكل الطائفي والديني أحد أهم العوامل التي ساهمت في تأجيج الصراعات في هذا البلد واستمرارها وخصوصاً مع وجود قوى خارجية تزيد من تفعيله، وإذا استثنينا القضية الكردية باعتبارها القضية العرقية الأكثر بروزا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فإن الصراع الديني لم يكن ذا تأثير كبير في الساحة العراقية إلا في جانبه الطائفي (الشيعة والسنة)، وذلك لأسباب عدة من أهمها: ضعف الأقليات الدينية وتنوعها إلى الحد الذي لم يجعلها تشكل ثقلاً مؤثراً في الصراع في هذه المرحلة. وضخامة الأزمة الطائفية وتشعبها داخليا وخارجياً، وتداخلها مع باقي أزمات المنطقة إلى الحد الذي جعلها تغطي على المشاكل الدينية وتجعله أمراً ثانوياً، قد يظهر بين الحين والآخر باعتباره أحد المشكلات التي تفاقم الأزمة الداخلية في العراق .

 لذلك  لابد من اعادة النظر بالاستراتيجية العسكرية العراقية بشكل أكثر موضوعية متلافين الاخطاء والاخفاقات التي وقعت في السابق ومستفيدين من دروس التجربة التي مر بها العراق في حربه مع الارهاب وخصوصا” تنظيم داعش الارهابي وهذا الامر يتطلب اعادة النظر في البناء المؤسسي للجيش والشرطة العراقية من خلال استحضار  مرتكزات الأمن الوطني أو القومي العراقي المتمثلة بصفحتي الأمن والدفاع واعادة بناء مفاصلها التنفيذية القوات المسلحة الحالية(الجيش والشرطة) وقواعدها المادية التدريبية والتسليحية ونظام معركتها ، بعيدا” عن المحاصصة الطائفية والعرقية  ووفق المهام والغايات والاغراض التي من اجلها شكلت القوات المسلحة ، باستحضار المفاهيم الوطنية الحقيقية,  و وحدة القيادة وتماسك التنظيم وشمولية التمثيل ليكون جيش وطني متكامل قادر على تلبية المهام باعتماد معايير الكفاءة المهنية والخبرة العسكرية مستفيدين من خبرات الجيش العراقي السابق وخبرات جيوش التحالف الدولي . اصدار التشريعات القانونية الخاصة بحصر السلاح المتوسط والثقيل بيد الدولة وحظر التنظيمات والتشكيلات المسلحة  ، حماية للسلم الاهلي والوئام الاجتماعي.  إذا اعترفنا أن العراق بلداً تعددياً لنبحث عن كيفية انتاج نظام سياسي يشرك الجميع.المحاصصة هي جزء من دائرة الفساد السياسي والاجتماعي، نريد مناقشة الملف برمته، وهنا نذكر حقيقة تاريخية على ضوء المحاصصة، "جوبايدن" نائب الرئيس الأميركي زار العراق اربع  مرات، زيارته الثالثة كانت وقت الانتخابات الأخيرة 2010 شجع العراقيين وتحديداً التحالف الوطني وحضر أكثر من جلسة مع ائتلاف دولة القانون متمثلاً بشخص السيد نوري المالكي، وشجعهم على ترك الدستور وتعليقه والذهاب إلى الاتفاقيات، من هناك بدأ تكريس وتعزيز المحاصصة السياسية حتى تتشكل حكومة مبنية على أساس المحاصصة، وفعلاً رئيس الوزراء غير قادر وما يزال على محاسبة اي وزير ليس بحماية أحزاب السلطة ولكن الأحزاب والكتل السياسية هي التي تحمي هذا الوزير الفاسد.  وعليه فإنَّ الحل يأتي عبر تشريع  دستوراَ شرعيا صحيحا يحفظ للجميع حقوقهم ولا ينتقص منها وإجراء انتخابات عادلة صحيحة وبناء الهرم المؤسساتي على وفق القانون وليس خارجه وخضوع الجميع للعقد المشترك (الدستور) المتوافق عليه وليس المفروض قسرا...