ارى ان المقصود بالتحالف، هو القيام بنشاط سياسي مشترك ومبرمج، وفي ظرف سياسي معين من اجل تحقيق هدف معين، او مجموعة من المهام والاهداف التي ابرزتها تلك الحقبة التاريخية من تطور البلد، او القيام بتغيير ثوري يشمل كافة مفاصل الدولة.
وعلى هذا الاساس يمكن تقسيم التحالفات الى نوعين، طويلة الامد وقصيرة، هذا وان قيام التحالف يختلف من بلد الى آخر ومن مرحلة الى اخرى.
ولاجل قيام التحالف طويل الامد، ارى ان تتبع الخطوات التالية من قبل الاطراف او الطرف العازم على عقده:
1ــــــ دراسة الواقع الطبقي للمجتمع في تلك المرحلة من تطوره.
2ـــــ تحديد الفئة او الطبقة الحاكمة والمتنفذة وشكل السلطة وارتباطاتها الخارجية، وكذلك الطبقات او الفئات التي تساندها.
3ـــــ تحديد وتشخيص الطبقات والفئات الاجتماعية المستقلة اقتصادياً والمضطهدة سياسياً.
4ــــ تشخيص نوع ومستوى الصراع الدائر بين المجموعتين اعلاه.
5ــــ تشخيص وتحديد الممثلين السياسيين (الاحزاب والكتل) للمجموعة الواردة في الفقرة 3 اعلاه.
6ــــ تقدير ميزان القوى، سواء بين القوى الداعية للتحالف وبينها وبين الطبقات الحاكمة.
7ــــ دراسة دور وتأثير تدخلات الدول الاجنبية السياسية والاقتصادية على السلطة القائمة، لانه على ضوء كل ذلك يمكن تشخيص الاهداف والمهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قد توضع على طاولة المباحثات بين الاحزاب والحركات الداعية الى التحالف، لبلورة البرنامج المشترك على ضوئها.
هذا وان التحالف كما تؤكد تجارب التاريخ يقام بين الاحزاب والحركات المعارضة التي تنشد التقدم والتغيير وليس بينها وبين احزاب السلطة الحاكمة.
علما ان التحالف ذا الامد البعيد لا يبنى من الفوق، اي بين القيادات فقط، بل بالاعتماد على المهام والاهداف والمشاكل التي ابرزتها الحركة الجماهيرية في الشارع والدور السياسي والنضالي الذي تمارسه الاحزاب والحركات الوطنية المعارضة في بلورة تلك الاهداف والمهام من جهة وتحريك الجماهير المعنية بها من جهة اخرى، اي ان النضال الجماهيري ومن يقف وراءه هو الذي يشخص الاهداف المذكورة التي قد تلتقي على ضوئها القوى الوطنية واعتبارها اسساً لوضع منهاج مشترك.
اما بصدد التحالف نفسه فيجب:
1ــــ ان لايقتصر وجوده ونشاطه في هيآته القيادية فحسب، بل يجب ان يشمل كل تنظيمات الاحزاب المشاركة الى القاعدة، وان تنعكس فعالياته لدى المنظمات الجماهيرية التي ترتبط بالقوى المشاركة في التحالف.
2ـــــ ان يضمن الحقوق والادوار المتساوية والمتكافئة لجميع اطرافه، حتى في حالة انتصاره ووصوله الى السلطة وبدون استثناء.
3ـــــ ان يجري رسم خارطة العمل والنشاط واساليب النضال وحركة الشارع بصورة مشتركة وبقرار مشترك.
4ـــــ ان تنظم اجتماعات الهيئات القيادية ولجانها وفروعها وكذلك مؤتمراتها العامة وتغذية نشاطاتها اللاحقة وتجديدها باستمرار، وكذلك الوقوف عند المشاكل والمعوقات التي اعترضت وتعترض طريقها.
ومن جهة اخرى فأن التحالف (مهما كان نوعه) لا يعني بأي حال من الاحوال:
1ـــــ ان يفقد الحزب المتحالف استقلاليته التنظيمية والفكرية، بل له الحق في الحفاظ على وحدته التنظيمية والفكرية، وان يعبر عن رأيه (منتقداً ومعترضاً ومقترحاً..الخ).
2ـــــ وكذلك له الحق في الانسحاب من التحالف، عندما يشعر بأنه تم تجاهل الشروط المتفق عليها، او عندما لايؤدي الدور والنشاط المتفق عليه.
3ــــ له الحق في عقد تحالف مع اي جهة اخرى، على ان لا يتعارض مع تحالفه السابق.
وبهذه المناسبة اود ان اشير ولو بأيجاز الى موقف ودور الحزب الشيوعي العراقي من التحالفات والعمل الجبهوي منذ تأسيسه.
فقد كرس الحزب اجتماعا موسعاً للجنته المركزية في آب 1945 برئاسة مؤسسه يوسف سلمان (فهد) لدراسة التحالفات والعمل المشترك بين القوى الوطنية آنذاك، وكانت مبادرته في تأسيس حزب التحرر الوطني خطوة في هذا السبيل، ورغم ان السلطات لم تمنح رخصة العمل العلني لهذا الحزب.
فقد واصل الحزب الشيوعي جهوده من اجل تكوين اي تحالف يدفع عجلة التقدم في البلد الى الامام، قناعة منه بأن اي حزب سياسي في العراق لايتحمل لوحده عبء النضال والتضحيات في سبيل تحقيق المطالب والمهمات الوطنية المطروحة على الساحة السياسية، من جهة وقناعته بأن هناك قوى وشخصيات ومجاميع وطنية التي تتبنى تلك المهام والاهداف ولديها الاستعداد للعمل من اجل تحقيقها بشكل من الاشكال وفي ظرف سياسي معين.
ومن مبادرات الحزب في مجال التحالفات أذكر:
1ــــ ففي تشرين الاول من عام 1947، تم تشكيل لجنة التعاون المشترك بين الحزب الشيوعي وحزب الشعب وحركة انصار السلام وحزب رزكاري الكوردي والحزب الوطني الديمقراطي، وكان ذلك قبل اندلاع وثبة كانون 1948، الا ان هذا التحالف لم يقوى على تحمل المهام الملقاة على عاتقه.
2ــــ وفي 17 تشرين الثاني سنة 1952، اي في ايام انتفاضة تشرين الثاني عقد تحالف بين الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والجبهة الشعبية والحزب الشيوعي، وهو تحالف ايضا لم يكن بالمستوى المطلوب،
3ــــ وفي 9/6/ 1954 تم تشكيل تحالف خاص لغرض خوض معركة انتخابات البرلمان العراقي ايام حكومة ارشد العمري، وكان التحالف بين حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي وممثلي المنظمات الديمقراطية والنقابات ( بدلا عن الحزب الشيوعي ) الذي كان يعمل سراً ، وفاز التحالف حينها ب 11 مقعداً في المجلس النيابي، والذي تم حله بعد اول اجتماع له من قبل نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك.
4ـــــ وفي شباط عام 1957، تم تشكيل الجبهة الوطنية الموحدة والتي ضمت الحزب الوطني الديمقراطي والشيوعي والاستقلال والبعث، وهي الجبهة التي اصبحت القوة الساندة والداعمة لثورة 14 تموز 1958، والتي جاهدت القوى القومية اليمينية على تفكيكها خلال سنتها الثانية.
5ـــــ الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، التي تكونت بين الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث الحاكم في آذار 1973، والتي انتهت بتوجيه ثاني أكبر ضربة للحزب الشيوعي في تاريخه.
6ــــ وبجهود مضنية من قبل الحزب الشيوعي وبعد مداولات طويلة، تم تشكيل الجبهة الكردستانية في 12/6/1988 بين الحزب الشيوعي والاحزاب الكوردية.
7ــــ واخيرا وليس آخراً إنشاء (تحالف سائرون) بين الحزب الشيوعي والتيار الصدري وتشكيلات اخرى في عام 2018.
واخيرا اود ان اقول بأن الصراع الدائر في منطقة الشرق الاوسط المتمثل بالصراع الايراني ــــــ الامريكي، والمحاولات الامريكية لتفكيك كل من دولتي العراق وسوريا، بواسطة داعش والمتحالفين معها، والنتائج الاقتصادية المدمرة التي فرضتها على بلادنا وتأثيراتها المؤذية على الساحة السياسية والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانسانية المأساوية التي خلفتها وتهديداتها اللاحقة، يضاف اليها التدخلات الخارجية، قد وضعت القوى والتيارات السياسية والطائفية والاثنية في معمعة من الصراعات والخلافات بغية الاستحواذ على السلطة والمال، ووضعت القوى الوطنية والديمقراطية في حالة مخاض صعب من اجل توحيد صفوفها وتركيز جهودها وتشكيل تحالف وطني مستقل يسير بالعراق الى شاطئ السلام، وهذه الولادة المتوقعة وضرورية اكثر من اي وقت مضى.