لأنها ببساطة حملت احلام الفقراء والمعوزين والكادحين، وعملت  من أجل إحقاق الحق، واجتهدت كي تسود العدالة وصولا لدولة المواطنة، ودافعت عن الطفولة والمرأة من خلال سن قانون الأحوال الشخصية الذي كان يعد الاكثر تطورا في الشرق الأوسط آنذاك.

وفتحت أبواب المدارس لأبناء الفقراء.

وحافظت على استقلال البلاد السياسي، وشرّعت ببناء صناعات اولية، وسعت الى القضاء الاقطاع، حيث وزعت الأراضي على الفلاحين.

اما الفلاحون المهاجرون من المحافظات الجنوبية، هربا من جور الاقطاع، فقد استوطنوا في بغداد ببيوت عشوائية توزعت بين حي "الشاكرية" وحي " العاصمة خلف السدة" بشكل خاص.

كانت منازلهم متداخلة مع بعضها، بنيت على عجل لا تحمي من حر ولا تقي من برد، ولا تليق بالبشر اصلا! ومن هنا جاءت خطوة الثورة ببناء مدن عصرية لساكنيها في أطراف العاصمة بغداد، مثل " الثورة" و" الحرية" و" الشعلة". وما زالت هذه المدن شاهدا على انسانية ووطنية ثورة ١٤ تموز.. لم تسهم الثورة بترييف المدينة كما يدعي البعض بل بالعكس فإنها انتشلت هذه المجاميع التي أنتجت لاحقا الشعراء والأدباء والعلماء والفنانين ومختلف الكفاءات لتسهم بشكل فاعل في بناء الوطن، إلا أن انقلاب شباط الاسود عام ١٩٦٣ بقيادة زمر البعث و"القومجية" والقوى الرجعية وبدعم امبريالي امريكي-بريطاني مفضوح، اوقف مسيرة العراق التقدمية وادخله في دهاليز مظلمة ما زلنا نحصد نتائجها المرّة.

الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم رحل وهو لا يملك بيتا ولا حسابا مصرفيا لا داخل العراق ولا خارجه! رفاقه الشهداء فاضل عباس المهداوي ووصفي طاهر وداود الجنابي وماجد محمد امين وبقية قادة ثورة تموز، لم يستطع أحدٌ أن يشكك بنزاهتهم الوطنية والإدارية والمالية.

في تلك الفترة كانت " الحرب الباردة " على أوجها بين قطبين معروفين وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وكل ما يجري في العالم يخضع لهذا المنطق، من أزمة الصواريخ في كوبا إلى بناء السد العالي في مصر. ويجري تسليح البلدان وفق قاعدة مع أو ضد هذا القطب أو ذاك، وليس من السهولة ان يحدث تغيير جوهري في بلد " ثالث" خارج هذين القطبين، إلا ما حدث في العراق في ١٤ تموز ١٩٥٨، اذ ان الثورة التي هزت العالم، لم تحدث لولا التراكم النوعي لنضالات الشعب العراقي بانتفاضات الفلاحين والنضالات العمالية والجماهيرية وانتفاضة ١٩٤٨ ثم ١٩٥٢ و١٩٥٦  واندلاع التظاهرات ضد النظام الملكي وحليفته بريطانيا بشكل متواصل، رغم القمع الوحشي وحملات الاعتقالات وتنفيذ الإعدامات بخيرة الوطنيين العراقيين. لقد نجحت ثورة تموز، وغردت خارج السرب لأنها كانت تتويجا لتحالف الصفوة الوطنية لابناء الشعب العراقي، ولو اتفق اليوم، الحريصون على هذا الوطن، ليضعوا برنامجا على ارضية وطنية صادقة لانتصرنا بسهولة على الارهاب والفساد والدجالين كما انتصر الاحرار قبل واحد وستين عاما. ستبقى ذكرى ١٤ تموز، راية خفاقة في سماء الوطنيين، ما دارت الايام وانطوت السنين.

عرض مقالات: