لقد أتعبتنا الحروب وأثقلت كاهلنا ويلاتها ، لم تنل الحرب من الجندي فقط بل نالت من الأم والطفل والزوجة والحبيبة ونالت أكثر من الوطن الذي ظل مضرجا بدماء ابنائه ، إن الحرب كائن ظلامي تهديمي ومدمر لكل ما هو جميل ومشرق في الحياة ، بينما السلام يعني الحب والتسامح والجمال والحياة التي تشرق على البشرية بكل عذوبة .لم نعش داخل العراق كباقي البشر فحروبنا مازالت مشتعلة ولم تتوقف منذ عقود طويلة ، حروب ومجازر وانقلابات وسجون متلاصقة واعدامات متلاحقة حتى وصلت سفينة العراق الى شاطيء الإرهاب بعد سقوط النظام عام 2003 والى يومنا هذا أموال وثروات العراق تتقاسمها الاحزاب الحاكمة ، الإرهاب والفساد يقتل ابناء الشعب . نحن أبناء الحروب لم نتعلّم الحب كما ينبغي، فالحب أسمى وأنبل شيء في الحياة، وعندما كان العراق غارقاً في الحب ما بين ابنائه كان ثمة (خير الله طلفاح) محافظا لبغداد يصطاد فرائسه من العشاق الواحد بعد الآخر في حديقة الزوراء وسط بغداد ليصبغ أفخاذ الفتيات بـ (البوية) ويحلق شعر الشباب بطريقة مخزية! طلفاح لم يمنحنا وقتاً للاستمتاع بالحب ولم يسمح بلقاء العشاق عند شارع ابي نؤاس، كان عدوه الحب، بينما الحرب صديقته. خير الله طلفاح وهو خال صدام حسين طاغيتنا الذي خلف لنا تركة ثقيلة من الآلام والدموع والخوف والموت الذي لا نظير له لم يتمكن منه أحد، إلا أن الله وحده تمكن من جبروته فقطعّه أوصالا، بترت ساقه اليمنى ثم اليسرى الى أن غادر غير مأسوف عليه. شخصيات كارتونية حكمت العراق بالحديد والنار ولم تعرف معنى الحب يوما. لقد اشبعوا العراق موتا بعد موت، وجعلوا من عجلة الزمن تسير الى الوراء ولا نعرف سوى الموت، قبور العراقيين ملأت أرض العراق وللنجف حصتها الأكبر، وعلى مدى سنوات الحرب العراقية الايرانية كانت التوابيت تسير بصمت مطلق وبلا توقف وكان الموت ملهمنا في الشعر. لم أقرأ قصيدة غزل لشاعر عراقي إلا ما ندر، لم يبق بيت من بيوتات العراقيين إلا وفقد عزيزاً في تلك الحرب اللعينة التي أكلت شبابنا تحت شعارات كاذبة. في زمن البعث ونظامه الدموي لم يكن لنا سوى الموت في حروبه المفتعلة وكان النظام آنذاك يرفع شعار العبور، أي عبور؟ لا نعرف بداية الأمر عن أي عبور يتحدث ذلك النظام، وعندما كتب الروائي الألماني (اريك ماريا ريماك) روايته الرائعة (للحب وقت وللموت وقت) كان فيها الكثير من الرؤيا والتشابه ما بين الغرب والشرق، ان تكون جنديا تحارب من أجل قضية خاسرة، تحارب لأجل مبادئ لا تؤمن بها، تحارب فقط لكي تتجنب العقاب أو أي سبب آخر. وكان ريمارك قد أوغل في تهديم النازية الهتلرية عبر روايته للحب وقت وللموت وقت وروايات آخرى مثل روايته الرائعة (ليلة لشبونة) وحين قرأها هتلر، قال عنها: أنها أجمل ما قرأ، كانت ليلة لشبونة تنال من هتلر ذاته وتسخر منه، لكنه استمتع بالعمل الأدبي وأثنى على كاتبه الذي حاول فضح النازية الهتلرية عن طريق الأدب، وثبت ان الأدب هو السلاح الأكثر فاعلية لردع الطغاة والقتلة. في العراق كان العكس فحين يقرأ الدكتاتور ثمة رواية أو قصيدة تدينه، يجند أجهزته الأمنية للنيل من ذاك الشاعر أو الكاتب حتى ينال منه وبكل الطرق الوحشية. ان فعل الكلمة لا يختلف كثيرا عن فعل الرصاصة حين توجه بالضد من العدو داخل المعركة. لقد ظل العراق غارقاً في الحروب وثقافتها التعسفية التي انعكست سلباً على المجتمع العراقي وعلى الأجيال الجديدة التي لم تتعلم في الحب الكثير .. نحتاج نحن في العراق الى الحب والتسامح أكثر من حاجتنا الى الحرب والإرهاب الذي جعل منا شعبا مقسّما الى قوميات وطوائف، فالدين لله والوطن للجميع، يجب أن يكون لنا وقت للحب، فبالحب وحده يحيا الانسان. لم يعد الخبز الوحيد الذي يحيا به الإنسان. ان ثقافة الإقصاء والتهميش والحروب والقتل والسيارات المفخخة والخطف والاغتصاب والعبوات الناسفة واغتيالات كاتم الصوت قد اتخمتنا، يفترض أن نجرب الحب وأن نغرق في العشق وروح التسامح والعفو، أما الحرب فنتائجها دائما كارثية، مخيفة ومؤلمة.
الحرب حوار الكائنات الخرافية
السلام وردة تتفتح دائماً .

عرض مقالات: