كان وحده، و انا لا ابالغ، و يعرف ذلك كل من عرفه او واكب مسيرته ، او اطلع على نتاجه الغزير، صحفيا متميزا، حتى اللحظة الأخيرة من حياته، و كاتبا و محللا، و مفكرا مجددا ،على كل صعيد، كان وحده مؤسسة، و لأنه كان كذلك، و لأنه كان يدرك اهمية العمل المؤسسي،بل كان من ابرز الداعين له و العاملين من اجله على كل صعيد، اسس معهد الدراسات الستراتيجية، فاكتمل بها و اكتملت به.

فتح ابوابه وشبابييكه، للبحث في التاريح و الفلسفة و الفكر النهضو ي ا لتجديدي، لأنه ، هو ذاته، كان نهضو يا، تجديديا، و اكاد اقول، مواصلة و استمرارا، لتلك التقاليد المجيدة التي وضع لبناتها وارساها المفكرون الأوائل العظام في العراق و العالم العربي و المنطقة، منذ اواسط القرن التاسع عشر.

كان، و لم يكن، ماركسيا!.

الم يقل ماركس، ذات مرة، انا لست ماركسيا! و كان يرد بذلك على كل من اخذ جوانب معينة من الماركسية، جانبها الأقتصادي خصوصا، واغفل ما هو جوهري فيها، نظرتها الكلية، الجدلية، للكون و للتاريخ و المجتمع.

كان ماركس و انجلز يؤكدان ان الماركسية تغتني مع كل انجاز او اكتشاف جديد، على كل صعيد.

بهذا المعنى كتب انجلز بعد وفاة ماركس، انه لو قدر لهما اعادة كتابة البيان الشيوعي الأن اي في العقدين الأخيريين من القرن التاسع عشر لكانا استغنيا عن اقسام كبيرة منه.

بهذا المعنى كان فالح ماركسيا.

و بينما كان يجري تحنيط الماركسية، في اهم مراكزها، كانت تجري محاولة بعثها، نفخ الروح فيها، و زجها في معممعان الحياة و الجديد.

لم يكن فالح بعيدا عن مراقبة و اكتشاف الجديد و مواكبته، بل المساهمة فيه. بل كان من الجراة بحيث انتقد و اضاف.

و كان بذلك ماركسيا، بالمعنى الماركسي للكلمة.

الأن و قد غاب فلا اقل من المحافظة على المؤسسة التي اقامها و ارساها، حجرا حجرا، و اخذت الكثير من وقته ونشاطه...و اخيرا من حياته، بحيث اعاقت تفرغه لأنجاز بحوثه ومشاريعه الخاصة.

في لقاء اخير معه، قبل اشهر، في بيروت، حدثني، متحسرا، عن بضعة اعمال يؤخر انجازها، لأنشغاله بادامة المركز و مواصلة نشاطه.

الآن، و قد غادرنا، و هو في اوج نضجه و ذروة  نشاطه، فأنها مسؤوليتنا،جميعا:

  • المحافظة على انجازه الباهر، مركز الدراسات، و اطلاق اسمه عليها .
  • مواصلة دعمه بكل السبل و مساعدته على انجاز المشاريع التي كان الراحل يخطط لأنجازها.
  • اقامة لندوة حوارية- بحثية، حول فالح عبد الجبار، صحفيا و كاتبا و مفكرا و مناضلا. يتولى الأستاذ الصديق فارس كمال عمر نظمي التهيئة لها.
  • تكريس كرسي استاذية في جامعة بغداد باسمه.

هذا اقل ما تستحقه منا ايها المناضل و الصحفي و الكاتب و الباحث و عالم الأجتماع ، ايها المعلم، الرفيق و الصديق الحي ابدا:

في القلب و الفكر و الذاكرة...

السليمانية- العراق

8 من آذار 2018

عرض مقالات: