د.صبري زاير السعدي
تَعكِسُ تفاصيل المنهاج الوزاري (2018-2022) (المنهاج) (1) المسهبة وتداخلها، وكالمرآة تماماً، الواقع السياسي الجديد- القديم المضطرب، وتشرذم الأحزاب والنخب المهيمنة على السلطة، وارتباك المؤسسات التنفيذية والتشريعية. وبالتوازي، يَعكِسُ "المنهاج" أيضاً، قضايا الشأن الاقتصادي بأسلوب ومضمون يَغلبُ فيه الغموض والتناقض، بقصد أو بدون قصد، للعديد من المفاهيم والمقترحات الواردة، ويدفع للإستنتاج السريع بأن مآل تنفيذ مشروع الحكومة الاقتصادي لن يكون أفضل من المشاريع الوزارية السابقة في تَكَرِيس العَبث في إدارة الاقتصاد والموارد العامة. فخليط التفاصيل الكثيرة يُشَتتُ ليس فقط الإهتمام بأسباب ونتائج الأزمة الاقتصادية الهيكلية القائمة، بل وأيضاً، يُبعثرُ أو يُغَيبُ متطلبات تحسين البيئة الاستثمارية: الاستقرار الاقتصادي، وضوح أهداف السياسات الاقتصادية، معايير وأولويات الاستثمار، وتوفير البنية الأساسية المادية والمؤسسية والقانونية والتنظيمية. وللدلالة، تَكشفُ المراجعة ما يلي من مظاهر الإرتِباك والإرباك البارزة:
أولاً: الغياب التام للمؤشرات الرئيسية الدالة على حجم وطبيعة المشكلة الاقتصادية القائمة: انخفاض معدلات النمو، وزيادة البطالة، وانتشار الفقر، وتفشي الفساد المالي، وزيادة الدين العام والقروض الخارجية، وزيادة التباين بين الدخول والثروات، وتزايد الاعتماد على الإيرادات النفطية في تمويل الإنفاق الحكومي والاستيرادات: المصدر الرئيسي للنمو الاقتصادي. كذلك، ليس في "المنهاج" تحديد للأهداف الاستراتيجية وللسياسات الاقتصادية المتسقة، وفي إطارها السياسة النفطية، وتوقيت تنفيذها، ومقاييس الإنجاز والمحاسبة. ويجرد هذا النقص الفاضح المصداقية والواقعية من "المنهاج". نَعلم، أن بعد تقييم حجم المشكلة الاقتصادية، يتم تحديد الحلول على خلفية المعرفة بدينامية الاقتصاد وفاعلية عناصره الأساسية. هذه بديهة في صياغة أي منهاج أو برنامج اقتصادي حكومي أو حتى في سياسة اقتصادية جزئية. وما يثير الدهشة والاستغراب، أن اهتمام المنهاج بالسياسات الاقتصادية نلحظه في الإشارة الوحيدة الخاطفة لعبارة " تطوير السياسة الاقتصادية الكلية"، بترقيم أولوية رقم 11 من بين 15 أولوية، تحت عنوان المحور الثاني: "المالي والاقتصادي والتنموي"، وبدون أي محتوى أو تعريف (2)، وإشارة في عنوان المهمة الموكلة لكل من وزارة التخطيط والبنك المركزي: "تطوير أدوات التحليل الاقتصادي (نمذجة الاقتصاد العراقي)" و" تقييم وتحليل السياسات الاقتصادية الكلية في العراق"، وأيضاً بدون تعريف وغياب استخدامها في "المنهاج" (3).
ويبدو واضحاً جداً، أن "المنهاج" يفتقد في خلفية إعداده للتحليل الاقتصادي وللاختيار من بدائل السياسات الاقتصادية المتعددة في تحديد وتيرة ومسارات النمو الاقتصادي المستهدف. وبرأينا، يبدو أيضاً، أن بعثرة التفاصيل وتشتيت مفردات المنهاج بعرض غريب في الأدب الاقتصادي، وهو تقليد مستمد من خليط تفاصيل خطة التنمية الوطنية (2018-2022) (الخطة)، المُرتَبِكَة والمًربِكَة، يستهدف الإيحاء المضلل باستقلالية "المنهاج" عن أهداف وسياسات صندوق النقد الدولي (الصندوق)، وهي الأكثر وضوحاً، والتنصل من نتائجها الحالية والمتوقعة خلال السنوات القادمة (4). وهو أيضاً، يفسر تجنب "المنهاج" الإفصاح عن هذه النتائج.
ثانياً: تأكيد "المنهاج" لأهمية تحرير قوى وآليات السوق بفرضية قدرتها على تحديد أولويات الاستثمار وزيادة النمو، يتجاوز الإمكانيات المحدودة لدى القطاع الخاص ومعايير معدل الأرباح والتكلفة والمخاطر التي يهتدي بها في تفضيل الاستثمار في تجارة الاستيراد والعقارات والمضاربة والخدمات الاجتماعية والترفيهية، ويتجاهل واقع ضعف آليات السوق الناقصة، والتي لا تتلائم إطلاقاً مع أهمية إقامة وتطوير البنية الأساسية الاقتصادية (المادية)، والاستثمار في نشر تكنولوجيا الإنتاج المتقدمة، وفي إيجاد الطاقات الإنتاجية المعدة للتصدير، والاستثمار في تدريب القوى العاملة.
ثالثاً: ليس في السرد الوارد عن "تقوية الاقتصاد"، إطلاقاً، ما يفيد في كيفية يمكن الإستعانة عملياً بأية وسيلة لإحياء النشاط الاقتصادي على أسس متينة، ومنها تحديد حجم الاستثمارات، وأولويات المشاريع الحكومية المُمَوَلة من الإيرادات النفطية العامة من غير المشاريع النفطية، والتي تسهم في إيجاد مصادر جديدة للإنتاج وللصادرات وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. وللدلالة، تكفي الإشارة إلى النص "الإنشائي" الخليط من الشعارات الشعبوية (5) التالي:
"
تعزيز مبدأ "صنع في العراق"، ومشاريع" بأيد عراقية"، وتقليل الاستيراد عبر سياسات "بدائل الاستيراد" وتشجيع الصادرات، واستعادة الثقة بأنفسنا وخبرائنا وجامعاتنا لتنفيذ المشاريع بطاقات عراقية مع الإستعانة كلما اقتضت الحاجة بالخبرات الوطنية أو الأجنبية وذلك لاستثمار خريجينا وشبابنا والعاطلين عن العمل ولتطوير خبراتنا واقتصادياتنا وتقليل التبعية للخارج. ذلك ستسعى الحكومة لأن تكون المساهمة عراقية بدءاً من التصاميم الاولى مروراً بتنفيذ المشاريع وصولاً الى انجاز المشاريع، وأن الأساس هو عراقية المشاريع وأن الإستعانة بالخبرات الأجنبية وتسهيل ذلك تبقى ضرورة لتحقيق أعلى معايير النوعية والجودة وعند نقص الخبرات الوطنية لتحقيق الأمر" (6).
رابعاً: كما هو معروف، يُهَيمِنُ الإنفاق الحكومي المُمول بشكل رئيسي من الإيرادات النفطية في زيادة الطلب المحلي: الاستهلاك والاستثمار والاستيرادات، وهو الأساس في النمو الاقتصادي. غير أن النص الوارد عن السياسة المالية يقدم "الخليط" المُرتَبِك في النص التالي:
"
الانتقال من فلسفة أن الاقتصاد هو مجرد تعظيم موارد الخزينة والحصول على القطع الأجنبي الى أن الاقتصاد هو أولاً تعظيم الموارد الوطنية والناتج الوطني الإجمالي وتعزيز دور العملة الوطنية ومحاربة البطالة والغلاء وانتشال الشعب من الفقر والجهل والمرض والخوف. فكم من ضريبة أو مورد للخزينة هو ضرر على الاقتصاد الوطني، والعكس ليس صحيحاً إطلاقا. فالأولوية للاقتصاد الوطني وتحسين شروط عيش المواطنين وعدم الإكتفاء بزيادة موارد الخزينة على حساب تراجع الاقتصاد الوطني وقطاعاته الحقيقية" (7).
خامساً: مع الإدعاء بأن قانون شركة النفط الوطنية المعيب ستتم مراجعته، إلا أن "المنهاج" يختزل إعادة النظر في "تلافي بعض الثغرات" في القانون (8) ، بينما المطلوب هو حذف المادة 12 بكامل فروعها والتي تمنح مجلس إدارة الشركة حق توزيع الإيرادات النفطية، وهي جوهر الخطر والإختلاف المعروف مع نخبة من خبراء النفط والاقتصاد. فالقانون بهذه المادة يسلب دور الدولة في ممارسة مسؤولياتها في الإنتفاع المباشر من إيرادات الثروة النفطية العامة، وكأي ممارسة طبيعية في استغلال الدول للموارد الطبيعية العامة في الأرض والمياه والفضاء.
سادساً: تزداد الحيرة في حذلقة أو سذاجة التعريف بالسياسة النقدية، كما في النص التالي:
"
السعي للانتقال من اقتصاد العملة الورقية إلى اقتصاد العملة الرمزية والإلكترونية، والسعي لسحب الأموال المجمدة حالياً خارج الدورة المصرفية وإدخالها إلى الدورة بتقديم الحوافز والضمانات لتحقيق هذا الغرض. والسعي لتحريك الأموال المجمدة في المصارف الحكومية والأهلية لغرض تنشيط شتى النشاطات الاقتصادية والمجتمعية" (9).
تكفي الإشارة هنا إلى أن الحكومة، وبعد خمسة عشر عاماً من تطبيق سياسات التحول القسري نحو اقتصاد السوق والإستعانة بالخبرات الأجنبية في تحديث النظام المصرفي، لم تستطيع بناءَ مشاريع صغيرة كمجاميع من المدارس أو مجموعة دور السكن بكفاءة، أو إنجاز مهمة توسيع استخدام المواطنين للبطاقة الذكية لصرف النقود خارج أبنية البنوك، كيف تتجرأ بالترويج للعملة "الرمزية والإليكترونية"، كعملة البتكوينBitcoin في النشاط الاقتصادي التي تمتنع الدول والمؤسسات النقدية والمصرفية والمالية الدولية من التعامل مع مروجيها لأنها تعمل خارج نطاق مؤسسات الرقابة المالية الوطنية. وبعبارة أخرى، الترويج لهذه العملات يعني التهرب التام من رقابة البنك المركزي العراقي لتدفق العملات الأجنبية (الدولار) إلى الخارج، ويعني أيضاً، احتمال تعرض المتداولين فيها للسرقة أو استخدامها لتغطية الفساد المالي (10). كان الأجدر أن يشار إلى مهام السياسة النقدية وتقييم ممارساتها، خاصة ما يتعلق بالمزاد لبيع الدولار، وبيان الموقف من استقلاليتها.
سابعاً: الأكثر خطورة والغموض في المعرفة بطبيعة المشكلة الاقتصادية القائمة ما ورد في "المحور المالي والاقتصادي والتنموي" الذي يشرح سياسة الإصلاح الاقتصادي والإنتقال من الدولة الريعية نحو اقتصاد السوق، في النص المُضلل التالي:
"
تسعى الحكومة إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية ضمن إطار برنامجها الحكومي الهادف الى تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي والانتقال من الدولة الريعية نحو اقتصاد السوق وفق تطبيق خطط تنموية تستهدف القطاعات الحيوية التي تعتبر الشريان النابض للاقتصاد العراقي ويقف في مقدمتها القطاع الزراعي الذي يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي إضافة الى كون مخرجاته من منتجات زراعية وحيوانية هي المدخل الأساسي للقطاع الصناعي الذي سيسهم إحيائه بتشغيل الأيدي العاملة وتقليل نسب البطالة والفقر من خلال تبني سياسة تشجيع الصناعة الوطنية وحماية المنتوج الوطني بمشاركة القطاع الخاص الذي سيكون له الدور الأبرز في تحقيق النمو الاقتصادي من خلال عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير الخدمات للمواطنين بجودة عالية وفق ميزة تنافسية تسهم بتقديم خدمة أفضل وتكلفة أقل مما سيساعد في حفظ المال العام وتقليل نسب الفساد المالي مما سيسهم في تحسين بيئة الاستثمار وتنويع الاقتصاد العراقي من خلال تنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل قطاع السياحة والنقل واستثمار ما يتمتع به العراق من مواقع سياحية طبيعية ودينية مما يتطلب إدارة ملف المياه مع دول الجوار بتطبيق الاتفاقات والمعايير الدولية وهذا يتطلب تحقيق التكامل بين جميع القطاعات وعلى رأسها النقدي والمالي بما في ذلك أسواق رأس المال وتفعيل الدور المصرفي والائتماني للمصارف وشركات التأمين" (11).
ولفهم خبايا هذا النص الملتبس، نلحظ فيه ثلاث مسائل مترابطة: تؤكد الأولى والثالثة أهميتها التجارب والآراء الاقتصادية المعاصرة، وتخضع الثانية للتقييم من واقع التجربة الماضية والممارسات الحالية. المسألة الأولى: لا يستقيم المنطق الاقتصادي، النظري والمهني، الحديث مع اعتبار التنمية الزراعية المنطلق لتحرير الاقتصاد والدولة من فخ الريع النفطي من خلال زيادة تشغيل القوى العاملة واستخدام المنتجات الزراعية في التصنيع، إنما العكس هو الصحيح. فطبيعة الإنتاج الزراعي ضعيف المرونة والقدرة على استيعاب التطورات التكنولوجية لزيادة الإنتاج والإنتاجية، ولذلك، يصعب إيجاد فرص تصدير المنتجات الزراعية وبمردود مالي ذو قيمة في المدى المتوسط والبعيد. الأمر الذي يفرض البديل في إقامة الصناعات التحويلية المستخدمة للتكنولوجيا المتقدمة القادرة ليس فقط على زيادة الإنتاج والإنتاجية واستيعاب القوى العاملة الفائضة في القطاع الزراعي، بل وأيضاً، في نشر التكنولوجيا في القطاعات الإنتاجية كافة، بما فيها القطاع الزراعي، وبالتالي الإسهام في تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وزيادة الصادرات. المسألة الثانية: وتتطلب التدقيق في دوافعها وأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من واقع الممارسات الحالية وتجربة الإصلاح الزراعي منذ عام 1958 وما قبلها دور الإقطاع الصغير (حقبة السراكيل)، هي دعوة "المنهاج" إلى تمليك الأراضي الأميرية وتوزيعها بأسعار رمزية أو مجاناً، كما ورد في النص التالي:
"
العمل جدياً على التخلص من مفهوم الأراضي الأميرية الموروث من النظم العثمانية السابقة، وملكية الدولة بشخص وزارة المالية وبقية الوزارات لمعظم أراضي البلاد، وتشريع قانون يحفظ الملكيات الزراعية والحيازة والإجارة والاستثمار لإنهاء الفوضى الحالية في ملكيات وحيازات الأراضي التي تثير منازعات كبيرة، وتمنع تطور الزراعة والتربية الحيوانية وتطور الحياة الريفية. وتوزيع الأراضي بأسعار رمزية أو حتى مجانية عبر إحياء مفهوم "الارض لمن أحياها" وإحياء الأراضي الموات. وتوفير التسهيلات المصرفية والتعاونية لتمويل الدورات الزراعية والحيوانية ، ودعم الزراعة أساساً بدعم المخرجات الزراعية واعتبار جميع ذلك من أهم مقومات النهضة الزراعية المرتقبة" (12).
أما المسألة الثالثة: فتتعلق بالموقف السلبي الغريب من أهمية التصنيع والإصرار على تقزيم إسهامات الصناعة الوطنية في الاقتصاد، كما نشير في الفقرة التالية "ثامناً".
ثامناً: يتماشى "المنهاج" تماماً مع سياسة "الصندوق" و"الخطة" الصريحة في إهمال وخصخصة مشاريع القطاع العام الصناعية، والرفض الصريح لتمويل إقامة الصناعات التحويلية المستخدمة للتكنولوجيا المتقدمة، بتجاهل أهميتها الحاسمة في إحداث التنويع الاقتصادي الهيكلي، وهو الضرورة المطلقة، وإن كانت غير كافية، للتخلص من فخ الريع النفطي، وإرساء قاعدة القاعدة المادية، أي توسيع الطاقات الإنتاجية القادرة على المنافسة لاستدامة النمو في المستقبل، وكما يرد في النص التالي:
"
تحويل الأصول الجامدة إلى أصول متحركة من خلال عرض المنشأت المتوقفة أو الخاسرة وطرحها للمشاركة والاستثمار أو البيع للمواطنين العراقيين وتحويلها إلى شركات مساهمة رابحة يملكها الشعب بشرط تشغيلها واستيعاب العاملين المنتجين فيها وتحقيق سعات انتاجية تحدد حسب حاجة السوق المحلية كمرحلة أولى والتصدير كمرحلة ثانية"(13).
هنا يجب التأكيد على أن تنفيذ برنامج الخصخصة لتجاوز الأعباء المالية للمشاريع الصناعية الخاسرة، يتطلب تقييم تكلفة وعوائد المشاريع العامة وإعادة تحديثها أولاً، وأن يتم بيعها بعد تأهيلها بشروط أهمها: حماية حقوق العاملين فيها، والاستمرار في عمليات الإنتاج، وعدم المتاجرة ببيع أصولها الثابتة.
تاسعاً: من الغريب جداً، وربما التضليل، أن نجد الأولوية الأولى في المحور "الاقتصادي والمالي والتنموي" بعنوان "تشجيع وتحفيز البيئة الاستثمارية في القطاعات كافة والتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي" (14) والتي تترجم في برامج ومشاريع صناعية وفي تشجيع القطاع الخاص بهدف تبرير دعم الدولة المالي المباشر، وبدون معايير، للقطاع الخاص من الإيرادات النفطية العامة، بينما يتعارض مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي مع السياسات الاقتصادية "الليبرالية الجديدة" التي يعتمدها "المنهاج" و"الخطة" و"الصندوق".
عاشراً: ونلحظ الاضطراب في المفاهيم والغموض في العناوين الرئيسية الواردة في "المنهاج"، حيث يرد "التنمية المستدامة والخدمات الاجتماعية" (15)، وأيضاً، "التنمية المستدامة في القطاع السياحي" (16). بينما المعروف، أن مصطلح التنمية المستدامة يعني تحقيق الاستدامة في الدينامية الإيجابية لثلاثية العلاقات المتبادلة بين عناصر النمو الاقتصادي، وبين التنمية الاجتماعية، وبين استغلال وتنمية الموارد الطبيعية. ولذلك، يصعب فهم استخدام هذا المصطلح في "المنهاج" عند الحديث عن الخدمات الاجتماعية والسياحة. واضح هنا، الخلط بين الصحة البيئية والخدمات الاجتماعية أو السياحية، وهو مثال يزيد الشكوك في واقعية "المنهاج" وكفاءة الحكومة في تسيير الشؤون الاقتصادية.
وفي الخلاصة، من المتوقع أن يُزيدَ تنفيذ "المنهاج" الوزاري بتفاصيله المُرتَبِكَة والمُربِكَة المشاكل الاقتصادية وأن يستمر التعثر في التحول نحو اقتصاد السوق التنافسية على المدى القريب والبعيد، كما يُراد في برنامج وسياسات "الصندوق". ومن المتوقع أيضاً، أن حرية استخدام الإيرادات النفطية الوفيرة مع زيادة القروض الأجنبية التي يستهدفها "المنهاج"، وبدون الالتزام الصريح بتوزيعها لصالح الاستثمارات في مشاريع التنويع الاقتصادي الهيكلي، قد يمنح الحكومة فرص البقاء في السلطة في السنوات القادمة. إلا أن العمل "بالمنهاج" سيؤدي، بتقديرنا، وللأسف الشديد، إلى الفشل في تحقيق أي تقدم، ولو محدود، في زيادة النمو، وتقليص البطالة، وتخفيف الفقر، وتقييد الفساد، وتقليل التباين في الدخول والثروات، وزيادة الصادرات، وتحسين الخدمات العامة، وتقليل الدين العام المحلي والقروض الأجنبية، وتخفيض الاعتماد الكبير على قطاع النفط الخام.
أما البديل الاقتصادي، فيبدأ بقرار سياسي بإنهاء تدوير السياسات الاقتصادية والإجراءات المالية والمؤسسية والإدارية والتنظيمية الجارية التي برهنت التطورات فشلها خلال السنوات الماضية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* "
الثقافة الجديدة" العدد 401-402 تشرين الثاني 2018
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1)
أنظر: المنهاج الوزاري (2018-2022)، نشر في بوابة وكالة الأنباء العراقية بتاريخ 24/10/2018. (http://ina.iq)
(2)
أنظر: المنهاج الوزاري الصفحة 43.
(3)
أنظر: المنهاج الوزاري الصفحة 74.
(4)
يكفي هنا الرجوع إلى تقديرات صندوق النقد الدولي للإيرادات والنفقات العامة للسنوات (2018-2023). أنظر:
IMF, “Report for Selected Countries and Subjects/Iraq”, World Economic Outlook database, April2018.
(5)
إرضاء سريع لمطالب المواطنين الآنية والعاجلة والمتباينة في الأهمية.
(6)
أدرج النص بدون أي تعديل في اللغة أو الطباعة. أنظر: المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 20.
(7)
أنظر: المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 26.
(8)
أنظر: المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 17.
(9)
أنظر: المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 22.
(10)
يذكرنا هذا الرأي، بتذاكي أحد الخبراء الاقتصاديين الذي وجد في حكاية الدعابة الذهنية واختبار الفطنة عن سائح يضع مؤقتاً مؤقتاً ورقة 100 دولار على منصة الإستقبال لفندق برغبة استئجار غرفة ثم يذهب لاختيار غرفة مناسبة. وفي لحظة ترك منصة الإستقبال، استغل صاحب الفندق استعمال ورقة أل100 دولار في تسوية سريعة لجميع ديون مجموعة مترابطة من المدينين والدائنين الذين يعملون في القرية السياحية، يجد الخبير في هذه الحكاية الدعابة بأنها مسألة شديدة المنطق الاقتصادي وترتبط بمفهوم كارل ماركس عن رأس المال الوهمي، ثم يسهب في إيجاده حل "الحزورة" بشرح النظريات النقدية المعاصرة في تفسيرها. وللراغبين في زيادة المعرفة بالحكاية، أنظر:
An Amusing Brainteasers, Evolution Blog, SienceBlogs, June 15 ,, 2009 (http://scienceblogs.com/ 2009/06/15/ an-amusing-brainteaser)
(11)
أنظر: المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 42
(12)
أنظر: المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 22.
(13)
المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 24.
(14)
المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 67.
(15)
المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 77-92.
(16)
المنهاج الوزاري، المصدر السابق، الصفحة 67-68.