بغداد – طريق الشعب

ألقى الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، كلمة في الحفل الكبير الذي أقيم صباح أمس في قاعة سينما سميراميس وسط العاصمة بغداد في مناسبة الذكرى الـ84 لتأسيس الحزب.

في ادناه نص الكلمة:

الاخوات والاخوة المحترمون

الرفيقات والرفاق الاعزاء

طاب نهاركم

ينقضي اليوم اربعة وثمانون عاما على اللحظة الاستثنائية، التي تسلل فيها خيطُ ضوء ساطع عبر حجب الظلام الكثيفةَ المكلكلة على بلادنا ومجتمعنا، ساعيا الى نشر الانوار في جنباتهما، وهما يتلمسان بمشقة سبيلهما للخروج من سبات القرون الطويلة. كان بصيصا رهيفا، واهنا .. لكن ريادته وطابعه المتحدي من جانب، وفداحة الظلام المخيم من جانب ثانِ، منحاه التماعا يخلب الابصار، ويطلق من الوعد ما لفت النخب الوطنية، والمجاميع الفتية الباحثة عن قطب يضيء لها سبيل الانعتاق والرقي، وتخوض تحت رايته الكفاح لتحرير الوطن والمجتمع.

هكذا ولد الكيان الجديد في ساحة الحركة الوطنية العراقية، على ايدي ثلة من رواد النضال الوطني الطليعيين المتنورين، الطامحين الى تحرير شعبهم وبلدهم من ربقة التبعية والبؤس والتخلف، والعازمين على النضال بتفانٍ من اجل الحرية والاستقلال والتقدم. وهو ما جسدوه في التسمية المعبرة التي اطلقوها في البداية على تنظيمهم الوليد: "لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار".

آنذاك، في اواسط ثلاثينات القرن العشرين، كان مجتمعنا العراقي يستيقظ من سبات القرون الطويلة تحت هيمنة الدولة العثمانية الخانقة والماحقة، ويخوض صراعا متصاعدا من اجل انطلاق البلاد في دروب الحرية والتطور والعيش الكريم. وجاء تأسيس التشكيل الوطني الجديد، ليعزز كفة قوى التحرر والتقدم في ذلك الصراع، ويثريها بقيم النضال الثابت واسسه من ناحية، وبأفكار العلم والحداثة والتنوير من ناحية ثانية.

وقد انغمرت لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار فور انبثاقها، في الصراع لتحقيق  التحرر والاستقلال والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي الدفاع عن مصالح الكادحين والمحرومين. وقد حققت خلال الفترة الاولى من مسيرتها انجازا لافتا. وخلال ذلك غيرت اسمها الى "الحزب الشيوعي العراقي"، واصدرت جريدتها الاولى "كفاح الشعب"، وبدأت تحتل موقعا مميزا في الحركة الوطنية العراقية المتنامية.

وكان هاجس الحزب الرئيس منذ ذلك الحين، الى جانب تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية، تأمين الحقوق والحريات الديمقراطية لجماهير الشعب، وانقاذ الفلاحين من تسلط الاقطاع، وضمان تلبية مطالب العمال والكادحين المشروعة، وتحرير الفقراء وذوي الدخل المحدود من براثن الواقع الاجتماعي المتخلف، ومن علاقات الإنتاج الاستغلالية. كذلك النضال ضد السياسات الشوفينية والتمييزية للحكومات الرجعية والدكتاتورية المتعاقبة، ومن اجل تمتع الشعب الكردي وسائر القوميات الأخرى في البلاد، بحقوقهم المشروعة في إطار عراق ديمقراطي اتحادي موحد، ونصرة الشعوب المكافحة ضد الاستعمار، العربية وغير العربية، خاصة الشعب الفلسطيني.

واتخذ الحزب ايضا، وهو يواصل ويطور مسيرته الصعبة والمضحية عبر السنين، موقفاً متميزاً من المرأة، مناصرا حقوقها وتطلعها الى المساواة مع أخيها الرجل. وأولى بالمثل اهتماماً كبيراً بالثقافة والمثقفين، وعمل على تهيئة الأجواء المواتية لاحتضانهم ورعاية مواهبهم وإبداعهم.

ولأجل تحقيق هذه وغيرها من اهدافه، توجه الحزب الشيوعي دوما الى جماهير الشعب، ساعيا إلى تكوين أوسع حركة اجتماعية ديمقراطية. وقد تصدر النضالات الجماهيرية السياسية والاقتصادية، وقاد بجدارة الانتفاضات والهبات الشعبية التي اندلعت ضد الطغيان والعسف، وضد مصادرة حق الشعب في التعبير عن رأيه وفي التمتع بحرياته، أسْوة بشعوب العالم المتحضر.

وبسبب هذا كله، وغيره من قضايا الشعب والبلاد، التي كرس الحزب لها طاقاته في مجرى مسيرته النضالية المديدة والحافلة، تعاملت معه السلطات الرجعية المتعاقبة على حكم العراق، منذ العهد الملكي، بمنتهى الظلم والوحشية. وهذا ما صار عنواناً ثابتاً لكل انظمة العسف والدكتاتورية، التي تسلطت على العراق لاحقا، لا سيما في فترتي حكم البعث سنة 1963، وبعد سنة 1968. تلك الانظمة التي رمى بها الشعب آخر المطاف في قمامة التاريخ، فيما بقي الحزب الشيوعي يواصل المسيرة مع قوى العراق الحية الاخرى، وفي قلب جماهيره الناهضة، دؤوبا متفانيا سخي العطاء.

الحضور الكرام

تحل ذكرى تأسيس حزبنا اليوم في عشية الدورة الانتخابية الجديدة، التي تتطلع الملايين من جماهير الشعب الى جعلها مرحلة انطلاق نحو الخلاص من عهد المحاصصة الطائفية والاثنية البغيضة، وولوج عهد المواطنة والعدالة الاجتماعية، عهد الدولة المدنية الديمقراطية العتيدة.  وارتباطا بهذا يتسع ويتعمق في اوساط شعبنا وناخبينا، العزمُ على تجاوز السياقات الانتخابية الفاسدة التي فُرضت في الاعوام الثلاثة عشرة الماضية، وصولا الى تغيير ميزان القوى على المستوى السياسي، وكسر احتكار الحكم من قبل اطراف الطائفية السياسية المتسلطة، ووضع حد لتشويه المجتمع العراقي وقيمه، وشلِّ قواهُ الحيويةِ الضاربة، ولإذلال المواطن العراقي ولامتهان كرامته الانسانية.

وفي القلب من هذا التوجه والتحرك، نتشرف ان نقف نحن الشيوعيين مع اقرب حلفائنا من المدنيين الديمقراطيين والاسلاميين المتنورين، الذين ائتلفنا في تحالف "سائرون نحو الاصلاح". ومن هذا التحالف الواعد نطلق الدعوات المخلصة الى جماهير الناخبين في طول البلاد وعرضها، ان تتوجه بعد ستة اسابيع الى صناديق الاقتراع بصفوف حاشدة، وبادراك للأهمية الاستثنائية للمعركة الانتخابية الوشيكة، وضرورة تحويلها الى نقطة انعطافٍ في مسيرة شعبنا وبلدنا المعاصرة. الى جعلها نقطة تحولٍ تنقذهما من اسوأ العواقب، اذا ما افلحت القوى المتنفذة الفاسدة في البقاء متحكمة في مصيرهما، وتفتح امامهما امكانية التحرك الى الامام، نحو قطع دابر الفساد وتعزيز الانتصار الكبير على داعش والارهاب، نحو اعمار الوطن وإنهاضه، وإطلاق تحركه المرتجى على طريق التنمية والتطور والتقدم والرخاء.

نتوجه من منبر احتفالنا هذا الى عموم الناخبين، وليس فقط الى الشيوعيين واصدقائهم وحلفائهم، داعين الجميع الى منح ثقتهم الغالية الى من هم اهلٌ لهذه الثقة، الى الجديرين بها، وبضمنهم مرشحونا الشيوعيون واخوتهم من بقية اطراف "سائرون" : الوطنيون المخلصون الثابتون، الاوفياءَ للشعب دائما وابدا، الصادقون النزيهون المجرَّبون، الاكفاءَ العارفون والخبيرون ..

ضيوفنا المحترمين

اعزاءنا

لم يكن دربنا نحن الشيوعيين مفروشا يوما بالزهور. ومن يجعل من خدمة الشعب وكادحيه والمسحوقين المهمشين من بناته وابنائه غايةً له، ويناضل بعزيمة لا تلين، وبروحٍ متوثبة متقحّمة لتحريرهم من البؤس والسَقَم والجهل والهوان .. لا ولن يواجه في سعيه المتجرد والمتفاني سوى المصاعب والمخاطر والآلام، ولن يخرج من امتحان الا ليواجه امتحانا آخر اكثر قسوة ربما ..

وما اكثر المحن والامتحانات التي توجب علينا نحن الشيوعيين العراقيين خوضُها، على طول مسيرتنا الممتدة اربعا وثمانين سنة .. وما اكثرَ التضحيات القصوى التي قدمها رفاقُنا المناضلون، اعضاءَ وكوادرَ وقادةْ، احبّتّنا الاقربْ الى قلوبنا، الذين سكنوها لا يبرحونَ منذ تساموا شهداءَ خالدين شامخين..

نعم، ما أقساها تلك الامتحانات .. لكن حزبنا كان يخرج منها، امتحانا بعد امتحان، مرفوعَ الرأس، اكثرَ صلابة واشدَ عزما على مواصلة المشوار المشرّف، مسلحا بمزيد من القدرة على الوفاء بمستحقاته الفكرية والسياسية والنضالية.

وذلك هو حال حزبنا اليوم ايضا، وهو يدشن عامه الخامس والثمانين ..

ختاما.. لا نملك ونحن نحتفل بعيد حزبنا الشيوعي، الا ان نصيخ السمع لنداء الغضب والصمود الآتي من ارض فلسطين، من مسيرة العودة في يوم الارض، التي صارت رمزا للنضال المتجدد للشعب الفلسطيني المنتصر دون ريب .. ولا نستطيع الا ان نؤكد ونجدد تضامننا الراسخ معه، بكافة قواه الوطنية، وهم يخوضون متضافرين ودون كلل المعركة الكبرى لانتزاع الحقوق الثابتة، في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، مستنكرين ممارسات الاحتلال الاسرائيلي الصارخة في همجيتها بحق الفلسطينيين المكافحين، ومطالبين المجتمع الدولي بتوفير الحماية لهم، ووضع حد فوري لعربدة حكام تل ابيب وبطشهم.

تحية للعيد الرابع والثمانين! 

وليعش حزبنا الشيوعي العراقي!

31 آذار 2018