الكل ينتظر الدخان الأبيض وإعلان استكمال التشكيلة الوزارية، التي ينتظرها الكثير من العمل، وقبله او بموازاته البحث في الشبهات المتنوعة التي اثيرت حول عدد من الوزراء، الذين استوزروا في ٢٤ تشرين الاول الماضي، ثم ما أثير ويثار بشأن صفقات بيع المناصب.
وكانت الانتخابات النيابية الماضية، وما قبلها، قد أشرت مجموعة من المعطيات، لعل في مقدمتها ان الناس اكدت الحاجة الى الاصلاح، كونه مفتاحا للعبور بالعراق الى ضفة اخرى، أرادت لها قوى الاصلاح الفاعلة، ومنها الحزب الشيوعي العراقي وتحالف سائرون، وتريد ان تكون بعيدة عن نهج المحاصصة والفساد.
وجرى التأكيد على ان تخطي المحاصصة ومغادرة نهجها، يعد عنصرا أساسياً لتمكين الحكومة الجديدة من السير على طريق الاصلاح، مع الإدراك العميق ان ذلك ليس سهلا وسيصطدم بمقاومة شرسة متعددة الأنماط والأشكال، من جانب المنتفعين من استمرار النهج السابق وما يوفره لهم من إمكانية البقاء في موقع السلطة والقرار والنفوذ.
ودعا الحزب الشيوعي وسائرون الى اعتماد معايير النزاهة والكفاءة والوطنية والمهنية في إسناد الوظيفة العامة عموما، كذلك في تشكيل الحكومة الجديدة والتخلي عن المحاصصة، التي هي أس البلايا وحامية الفساد والمفسدين.
وشهد تشكيل الوزارة الجديدة صراعا حاميا بين نهجين ووجد هذا انعكاسه في تشكيلة الحكومة، وبات الامر اكثر ضراوة عند توجه رئيس الوزراء الى استكمال التشكيلة الوزارية، فقد شهدنا تمسكا وتشبثا بنهج المحاصصة، ورافق هذا الكثير من اللغط بشأن وزراء ومرشحين تحوم حولهم شبهات لم يتم التدقيق فيها بعد، في اتجاه نفيها او تأكيدها واتخاذ ما يتوجب من إجراءات قانونية، كذلك ما يخص الحديث الواسع عن بيع مناصب.
وجراء ما حصل ويحصل يمكن القول في اللحظة الراهنة، ان تشكيل الحكومة لم يبعث رسائل مطمئنة الى المواطنين المتطلعين الى حكومة متماسكة وقادرة على مواجهة التحديات الكبيرة، التي تواجه البلد والناس. وان من شأن التأخير في استكمال تشكيلة الحكومة وتواصل هذا التدافع بأشكاله المختلفة على المناصب ان يقلص مساحة الأمل، ويرفع درجة الإحباط، ويوسع هوة عدم الثقة في إمكانية ولوج طريق الاصلاح الحقيقي، الذي تريده الناس وتنتظره.
وفِي اوضاع حرجة كالتي تمر بها بلادنا، يتوجب اتخاذ مواقف حاسمة وواضحة بشأن ما يثار، وقد يكون غير صحيح ومنافيا للواقع والحقيقة، ولكن ليس من الصواب والحكمة بقاء الامر مفتوحا والتفرج عليه، لما له من تداعيات على صدقية الحكومة، ومدى قدرتها على تحقيق الاصلاح والتناغم مع رغبات المواطنين وتطلعهم الى التغيير.
وفيما الحكومة، كما يعلن، على وشك استكمال تشكيلتها، نؤكد مجددا اهمية اعتماد المعايير المعلنة، وكون القضية تتجاوز مسالة هذه الشخصية او تلك. فالمنطلق كان وسيبقى مدى القرب او البعد من مشروع الاصلاح وإمكانية تحقيقه، ولا يتوجب ان تكون هناك أية مساومة حول ذلك.
ومن جديد نشير الى ان اعادة انتاج المحاصصة والتمادي فيها والإصرار عليها، يبدد جديا إمكانية إطلاق عملية الاصلاح، ويؤدي الى نكوص عما يعلنه المواطنون ويطالبون به، سواء في ساحات الاحتجاج والتظاهر أو في غيرها، والذي هو في نهاية المطاف من مطالب الشعب.
واننا اذ نشدد على هذا، ونعده مفتاحا لرفع الهمم وإعادة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، والتوجه الجاد لمعالجة ما تراكم من اشكاليات وصعوبات عبر الـ ١٥ سنة الماضية، نقول اننا سندعم أية توجهات إيجابية تصب في مصلحة الناس، وتنقذهم من الواقع الماساوي الذي هم فيه الآن، وسنعارض ما يتعارض مع ذلك. وسنواصل مع كل قوى الاصلاح الحية، خوض النضال السلمي والقانوني والديمقراطي والدستوري لدحر منظومة المحاصصة والفساد، والسير على طريق التغيير الجدي نحو إقامة دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.