طريق الشعب
استضاف الملتقي العراقي في مدينة لايبزيغ، بالتعاون مع منظمة الحزب الشيوعي العراقي في ألمانيا، الرفيق حميد مجيد موسى، مساء الجمعة الماضية، في ندوة تحدَّثَ فيها لجمعٍ من العراقيين عن تطورات الأوضاع في البلاد، ومناخات التوجه للدورة الانتخابية الرابعة، وما نشأ خلالها من قوائم وتحالفات انتخابية حتى الآن.
وأشار الرفيق الأكاديمي الدكتور حميد الخاقاني، خلال ادارته للندوة، حيث أشار في البـدء أن تطلُّعَ الناس في العراق، عقب سقوط النظام السابق، إلى الخروج من الزقاق الضيق المسدود الذي أخذت سياساتُ طاغيةِ الأمس البلادَ إليه، والانتقال بها إلى طرقِ حياة حرة ومتطورة يكون فيها العراق عراقَ أهله جميعاً، دونما تمييز ديني أو طائفي أو إثني أوفكري.
في بـدء محاضرته تناول موسى أخطاء العملية السياسية والكوارث التي أحاقت بالبلاد والناس جرّاء هذه الأخطاء، وشَـدَّدَ على أنَّ أُسَّ البلاء هو المحاصصة الطائفية التي أرادت القوى المتنفذة أنْ تقوم العملية السياسية والحكومة والدولة على أساسها.
وأوضح موسى أنَّ "جوهر هذه العملية يتحدد بتقاسم الحصص في كافة مؤسسات الدولة بين المكونات الطائفية والدينية والعرقية. وعملية التقاسم هذه، كما هو الحال في لبنان مثلاً، تجعل من شـهيَّة المتقاسمين مفتوحة على عمليات قِسْـمة متواصلة يظل معها باب النزاعات مفتوحاً هو الآخر، ليفتحَ السبيل بدوره لتدخلات الخارج إقليميا ودولياً"، مبينا ان "التجارب منذ 2003 قد أظهرت أنَّ هناك ترابطا عضويا بين نهج المحاصصة هذا والفساد المستشري في مفاصل الدولة وأجهزتها من فوق إلى تحت، مما أدّى إلى ضياع المليارات من أموال العراقيين، وتوقُّفِ عملية التنمية الاقتصادية في كافة الميادين، وتراجع الخدمات بشكل مريع، وإبقاء البلاد رهينة الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط، فضلاً عن أنَّ هذا النهج حال، ولا يزال يحول دون كشف الفاسدين وتفعيل الاجراءات القانونية ضـدهم".
وأشار إلى دور العقلية الطائفية المشبعة بروح الكراهية المتبادَلَة في ابتلاء وطننا بالارهاب، والذي تمثلت أشد صفحاته بشاعةً وخراباً في احتلال داعش، وبسهولة لا تُصَـدَّق، لمدن كبيرة وأراض عراقية واسعة تشَرَّدَ أهلُها، أو ظلّوا أسرى يرزحون تحت رحمةِ وحوش ما سُمِّيَ بدولة "الخلافة الاسلامية!"، وأصبحت أعدادٌ كبيرة من الفتيات والنساء، الأيزيديات خاصة، سبايا يُعْرَضْنَ للبيع في أسواقِ الرقيق، مثلما كان مألوفاً في مراحل تاريخية بعيدة.
وأبرزَ، أهميةَ تضافرِ جهود العراقيين والقوات المسلحة في الانتصار على داعش وطردها خارج أرض العراق، منوها إلى أنَّ هذا الانتصار، حتى اللحظة، هو انتصار عسكري. وكي لا تعود داعش ومثيلاتها إلى الظهور ثانيةً يجب إنْ يُستكمل هذا الانتصار بانتصار آخر أكثر أهميةً، ألا وهو الانتصار على الاستقطابات الطائفية في نفوس الساسة المتنفذين، وقيام دولة المواطنة الحقة.
وأعاد موسى إلى الذاكرة أنَّ "الشيوعيين والديمقراطيين الآخرين من قوى مدنية ويسارية، ومثقفين ورجال دين متنورين، وقفوا جميعاً، ومنذ البداية، ضد نظام المحاصصة الطائفية والعقلية التي تقف وراءه، وأشاروا إلى مخاطره الجمَّـة على البلد والناس، والدين أيضاً، وطرحوا مشروع الدولة المدنية الديمقراطية الضامنة حقاً للحريات السياسية والفكرية، وحرية الاعتقاد، وحقوق الانسان. طرحوها بديلاً لدولة الطوائف التي تُكرِّس انشقاق المجتمع وتستبدل الهوية الوطنية بالهويات الطائفية، وتؤدي، في النهاية، إلى تعطيل حركة الحياة والتطور.
وأوضح، بأنَّ "إنقاذ البلد من الهاوية الطائفية التي أسقطه المتحاصصون الطائفيون فيها، والخروج به من نفق الأزمات والفشل المتواصل، وحالةِ عدم الاستقرار، يتطلب تعبئة جهود كافة القوى الحريصة حقاً على مصائر البلد ومستقبله.
وفي هذا السياق استعرض، موسى، مساعي الحزب الحثيثة، في السنوات الماضية، وعملَه الدؤوب لقيام تحالفٍ وطني واسع يجهدُ لتخليص وطننا والعملية السياسية من الاستقطابات الطائفية ـ الإثنية وشرورها التي مازلنا نحصدُ ثمارَها المرَّةَ. ولم يكن خوْضُنا الانتخابات البرلمانية الأولى في إطار القائمة العراقية، في حينها، إلا محاولة للإسهامِ في تجاوز هذه الاستقطابات القاتلة وتحقيق آمال شعبنا في حياة حرة كريمة. كما أن مشاركتنا الفعالة في حركة الاحتجاجات الشعبية، منذ انطلاقتها الأولى وحتى اليوم، لا تأتي في غير هذا الإطار. فالشيوعيون، وكما هو حالُهم دوما، وعبر تاريخهم كلِّه، ليسوا طُلاّبَ سلطة لأجل كراسي السلطان وسطوتها. مصائرُ وطنِهم وتطورُه وحقوقُ مواطنيه جميعاً، ومستقبلُ أجياله القادمة، هي ما يشغلُهم ويُمثِّل محورَ تفكيرهم وأنشطتهم. وهي التي تمنحُ وجودَهم معناه.
ثمَّ تناول موسى جهودَ الحزب، وتعاونَهُ مع قوى وشخصيات ديمقراطية مختلفة، لقيام تحالف مدني ديمقراطي، تشكلت له تنسيقيات في مختلف مدن العراق وفي الخارج كذلك، وخاض الانتخابات الماضية، وحصل على أربعة مقاعد في البرلمان، وفي بعض مجالس المحافظات.
وفي الشهور الماضية بُذِلتْ جهودٌ كبيرة، سواء من الحزب أو من قوى وأحزاب وشخصيات مدنية ديمقراطية أخرى، لتوسيع التيار المدني الديمقراطي وتشكيلِ تحالفٍ أوسعَ لخوض الانتخابات في أيار القادم. وكان لهذه الجهود أنْ أثمرت ولادةَ تحالفِ (تقـدم). وقد جرتْ، فيما بعد، لقاءاتٌ مع (حزب الاستقامة الوطني) المدعوم من السيد مقتدى الصدر، للبحث في إمكانية التنسيق والتحالف لخوض هذه الانتخابات على أساس برنامج مشترك، يتمحور، في الأساس، حول هدف إقامة دولة مواطنة مدنية ديمقراطية، ومكافحة الفساد والفاسدين، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد شاركت الأطراف الأخرى في (تقـدم) في هذه اللقاءات وأسهمت في بلورة أهداف التحالف الانتخابي (سائرون نحو الاصلاح) وبرنامجه، وكذلك في (اتفاق الشرف) الذي ينص على اجتماع أطرافه على المشترَكاتِ التي تضمَّنها برنامج التحالف، واحتفاظ كلِّ طرَفٍ باستقلاليته الفكرية والسياسية. وبَـيَّنَ موسى أنه من المؤسف أنَّ عددا من أطراف (تقـدُّم) اعتذرت، في اللحظات الأخيرة، عن المشاركة في هذا التحالف، وساقتْ لهذا الاعتذار سبباً يتعلَّقُ بمن سيتولى رئاسةَ التحالف الجديد.
وشدد على أهمية مواصلة التنسيق والتعاون، وتعميقهما، مع أطراف (تقدم) والأحزاب والشخصيات المدنية والديمقراطية الأخرى، سواء داخل البرلمان القادم أو خارجَه. موضحا أنَّ السعيَ الى المساهمة في بلورة تحالفاتٍ تنقذ بلادنا وشعبنا من الورطة التي أسقطتهما فيها العقلية الطائفية يأتي انسجاماً مع قرارات مؤتمرات الحزب بشأن التحالفات، وبضمنها مؤتمره الأخير.
وقد أشار، وهو ما اتفقت معه مداخلاتُ الحاضرين في هذا الخصوص، إلى أنَّ تحالفَ (سائرون) حالة جديدة في الحياة السياسية العراقية، حيثُ تتوافق، ولأول مرة، قوى وأحزاب مدنية مع حزب ذي خلفية دينية على ما هو وطني، وعلى ما ينبغي أنْ يجمع العراقيين جميعاً، ويضع حاجاتهم ومصالحَهم الأساسية والحقيقية في مركز الاهتمام. ولم يكن من المتوقع ألا تثيرَ هذه الحالة الجديدة نقدَ البعض لأسباب ودوافع متباينة، وغضبَ البعض الآخر وحنقَهم لأسباب معروفة تصدُرُ، في الأساس، عن تشددٍ عقائدي، كان، ولا يزال، هو السببَ الرئيس فيما وصلت إليه أحوال العراق، وإبقائه خارج إيقاع العصر وحركته. وكشف الرفيق عن دجلِ غالبية القوى التي تكيلُ النقد لنشوء مثل هذا التحالف الانتخابي وازدواجيتها، لوجود الشيوعيين فيه، مع أنَّها جميعاً كانت تلتقي بالحزب وتتشاور معه بشأن أوضاع البلد، ولا تزال.