كشفت احداث الاسبوع الماضي في محافظة البصرة بجلاء كامل، حجم المخاطر التي تتهدد بلادنا في ظل استمرار الصراعات السياسية الداخلية والتدخلات الخارجية، وغياب التوجه الجاد والحريص لتوفير متطلبات درء هذه التهديدات، وتأمين الخروج بالبلاد الى بر الامان والاستقرار في ظروف الاصلاح والتغيير.

وفي اجواء الاستعصاء المخيم على المشهد السياسي اليوم، والتحديات التي تواجه البلاد على الاصعدة كافة، تبرز الحاجة الى بذل مزيد من الجهود واجراء مزيد من المشاورات والحوارات البناءة، للوصول الى مخارج تتيح تجاوز حالة الانسداد القائمة. وفي سياق ذلك يأتي واجب البحث في الصيغ المختلفة الممكنة لاختيار الرئاسات الثلاث، وفقا للاستحقاقات الدستورية وسقوف تنفيذها.

وعلى الرغم من كثافة المساعي وتعاقبها على هذا السبيل وبضمنها ما يتعلق بضغط الاستحقاقات المذكورة في جدول عمل الجلسة المقبلة لمجلس النواب، لم يمكن حتى الآن التوصل الى صيغة تحظى بالرضا والموافقة. علما ان هذه الصيغة لا بد ان تلبي شروط قيام حكومة جديدة منسجمة وقوية، تتمتع بدعم قاعدة سياسية واجتماعية واسعة، وتكون قادرة على تنفيذ برنامج اصلاحي حقيقي، يُخرج البلاد من نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، ويضعها على سكة تأمين الخدمات، ومحاربة الفساد، والانطلاق على طريق التطور والتنمية، والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين وظروف حياتهم عموما، خاصة منهم الفقراء والمهمشين الكادحين.

ويتوجب القول ايضا في هذا السياق، ان من اهم حلقات الاصلاح تعزيز البناء المؤسسي للدولة بسلطاتها الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتجاوز حالة التشظي التى كرسها نهج المحاصصة، ومعالجة مسألة السلاح خارج اطار الدولة، والتوجه الجدي نحو مكافحة الفساد وتجفيف منابعه وعوامل اعادة انتاجه، كذلك محاربة الفاسدين، واتخاذ التدابير القانونية والادارية الضرورية لتحقيق ذلك كله، واعادة هيكلة المؤسسات المعنية وذات الصلة.

 وهذا يعني بين ما يعني، تطبيق قانون الخدمة المدنية وبضمنه تأسيس مجلس الخدمة العامة، والكف عن التعيين بالوكالة في الدرجات العليا والخاصة، واعتماد مبدأ المواطنة بصورة عامة وشاملة.

ومن الضروري بجانب ذلك التشديد على استقلالية القرار الوطني العراقي، وقطع طريق التدخلات الخارجية، وتأمين تمتع المواطنين بحقوقهم وحرياتهم الدستورية، من دون قمع او ملاحقة او تضييق.

وقبل هذا كله وغيره من الاجراءات الضرورية، لابد للحكومة المقبلة من اعتماد وتنفيذ تدابير عاجلة للتخفيف من معاناة الناس الشديدة، وتحسين اوضاعهم وظروف معيشتهم وحياتهم اليومية، سواء تعلق الامر بتأمين امدادات الماء الصالح وتجهيز الكهرباء والخدمات البلدية، او استئناف توفير البطاقة التموينية للمواطنين الذين تمس حاجتهم اليها، مع تطويرها كما ونوعا، وضمان الرعاية الصحية والعلاجية  والدوائية المجانية.

ومن الواضح ايضا ان الخطوات المشار اليها، لا سيما هيكلة المؤسسات ومحاربة الفساد، يصعب من دونها تحقيق التغييرات الضرورية على المستوى الاقتصادي ايضا، خاصة النهوض بالنشاطات الانتاجية الصناعية والزراعية، والحد من الاعتماد على النفط، وتوفير الشروط المناسبة لتشجيع الاستثمار.

تلك هي المبادئ والمطالب الاساسية التي كانت هاجسنا في التحركات والمشاورات الجارية، وهو ما نراه ضرورياً لضمان السير على طريق خروج البلاد من الأزمة العامة الشاملة التي تطوقها وتكبلها.