رشيد غويلب
في الثاني من شباط، 1943 وقبل 75 عاما انتهت معركة ستالينغراد باستسلام قوات المانيا النازية وحلفائها، المتبقية في المدينة، للجيش الاحمر. وفي الثالث من شباط اعلنت القيادة العليا للجيش النازي. إن القوات الألمانية "قاتلت حتى النفس الأخير"، ولكنها "استسلمت للتفوق" و "الظروف غير المواتية". لقد قاتلوا بالنيابة كـ"حصن لجيش اوربي" ضد الشيوعية. ويبدو إن موقف الأوساط الحاكمة في المانيا الاتحادية، لم يتغير كثيرا تجاه روسيا.
واحيت روسيا انتصار الجيش الأحمر، وانتهاء المعركة الضارية باستلام الجيش النازي السادس، بسلسلة من الفعاليات السياسية والثقافية والفنية. لقد كان الانتصار في ستالينغراد خطوة حاسمة نحو تحرير الشعوب الأوروبية من الديكتاتورية النازية. وأعطى أملا جديدا في الكفاح ضد الفاشية وغير تاريخ العالم إلى الأفضل. ومن غير المقبول والمخجل أن الحكومة الألمانية لم تستذكرهذا الحدث اطلاقا. ولم تشارك رسميا في الاحتفالات المقامة في روسيا. وردا على الاستفسار الذي قدمته سيفيم داغديلن نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، جاء في رد الحكومة: "لدينا علم بالاحتفالات الاستذكارية في الفولفاغراد"، ولكن الحكومة لاتنوي تنظيم اية استذكارخاص. وكان يمكن إن يكون الغياب الالماني تاما، لولا حضور وفد من الكتلة البرلمانية لحزب اليسار الألماني الاستعراض العسكري الذي اقيم في المناسبة، وكذلك الحفل الرئيس الذي نظم مساءً في المدينة، وبهذا يتخذ الحزب موقفا مضادا لهذا النسيان التاريخي المقصود. ودعا حزب اليسار محافظ المدينة ندريه كوسولابوف الى زيارة برلين، لاجراء محادثات في البرلمان الاتحادي، واقامة ندوة عامة مفتوحة في 19 شباط. ويأتي الموقف الرسمي الألماني في سياق سياسة المواجهة التي تتبناها البلدان الأعضاء في حلف الناتو تجاه روسيا. ويتفق هذا مع النقاش الجاري بشأن تقاليد الجيش الألماني، وما هي طبيعته، وما هو الدور المسموح له القيام به، في محاولة إلى التسويق التاريخي لدور الجيش النازي في حرب الأبادة، خصوصا ضد الاتحاد السوفيتي، وتراجع الحكومة الالمانية عن مواقفها السابقة. وكان رد الحكومة الالمانية على سؤال، فيما اذا كان الهجوم على الاتحاد السوفيتي في الأساس جريمة حرب عدوانية؟ لان المانيا الهتلرية بدأتها، بلا ضرورة، وكانت حرب ابادة ايديولوجية عنصرية؟ : "تصنف الأعمال العسكرية لجيش الرايخ، بمعنى الجرائم الجنائية، كحالات منفردة. ويمكن تصنيف الأفعال الإجرامية التي يرتكبها مجرمون معينون على أنها انتهاك للقانون الساري، ولا سيما جرائم الحرب أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية". وفي موقع آخر: "ولايمكن تقديم تقييم اخلاقي للجنود اثناء الخدمة، الا على اساس المسؤولية الفردية". وهذا افلاس سياسي تاريخي، لان الهجوم على ستالينغراد كان جريمة، مثل جميع افعال الجيش النازي، في سياق حرب الابادة العنصرية ضد الاتحاد السوفيتي وسكانه. وليس هناك تقييم "على اساس المسؤولية الفردية". كانت معركة ستالينغراد، أكبر معركة في الحرب العالمية الثانية. استمرت من 17 تموز 1942 إلى 2 شباط 1943. وكانت المعاناة والخسائر للجانبين لا توصف. لقد قامت الطائرات الالمانية المهاجمة في 23 آب 1942 بقتل مابين 40 – 90 الف من سكان المدينة. وتقول المصادر الروسية إن 487 الف جندي روسي قتلوا اثناء العمليات العسكرية التي استمرت 6 اشهر متواصلة. وخسر الجيش النازي وحلفاؤه 300 الف جندي، واكثر من 90 الف اسير، عاد منهم إلى المانيا 6 الاف اسير فقط . وفي كلمته في الاستعراض العسكري في المناسبة دعا الرئيس الروسي فلادمير بوتين مواطنيه إلى "اخذ العبرة من الاباء والاجداد". لقد اثبتت البلاد حينها انها "قلعة لا تقهر" واستطاعت صد الفاشيين. وزير الخارجية الروسي لافروف احتج، اثناء الحفل الذي اقامته وزارته بالمناسبة، على محاولة بعض البلدان اعادة كتابة تاريخ الحرب العالمية، للتقليل من اهمية انتصار الاتحاد السوفيتي. واصدرت الكتلة البرلمانية لحزب اليسار الالماني بيانا بالمناسبة قالت فيه، ضمن امور اخرى،: " في الوقت الذي يؤشر الخط البياني صعودا لليمين المتطرف، ويجلس ممثلوه في البرلمان الالماني الاتحادي، يجري التعامل بنسبية مع جرائم الجيش النازي في الحرب العالمية الثانية"، ويجري "الفخر بمنجزات الجيش النازي"، والتقليل من اهمية دور الجيش الأحمر في الانتصار على الفاشية، ولهذا نحتاج إلى احتفال استذكاري لبداية نهاية الحرب التي بدأتها المانيا". ويشير البيان إلى الفعاليات التي ستقيمها الكتلة البرلمانية في هذه المناسبة.