رشيد غويلب
تصاعدت الدعوات للإنهاء الفوري للعدوان الثلاثي الجديد على سوريا، والذي اشتركت فيه الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، والذي استهدف فيه أهدافا محددة.
وأكد الحدث إن العجز الدبلوماسي يؤدي إلى تصاعد العنف وليس إلى حل النزاع. وكل المؤشرات تقول إن هذا العدوان "المحدود" سوف لن يؤدي إلى تهدئة الاوضاع في سوريا، ولا يفتح بالضرورة امكانية لتداول حل دبلوماسي، او لمساعدة الناس على العودة إلى حياة طبيعية مقبولة، حتى لو اعتقد المعتدون أنهم سيستعيدون السلطة او يعيدون تشكيلها في سوريا ، فهم مخطئون، لانهم بذلك يحرقون اوراق تدخلهم السابقة. لأن العنف العسكري لا يغير حقيقة أن سياسة الغرب المتبعة تجاه سوريا ، منذ اندلاع العنف في اذار 2011 ، قد فشلت. وما يجري هو اضافة صفحة جديدة لهذا السجل المدمر، ولم يكن هدف الغرب يوما انهاء الحرب لتخفيف معاناة الشعب الإنسانية، بل إسقاط نظام الأسد،وتفتيت الدولة الوطنية، وهذا ما اشرته تجربة غزو العراق في نيسان 2003 .

انقلب السحر على الساحر

لقد غذّت الولايات المتحدة وحلفاؤها ، بما في ذلك دول خليجية ، الحرب الأهلية وأطالت أمدها. ودعمت من تسميهم "مناضلين من اجل الحرية" و "أصدقاء الديمقراطية" ، ولم يزعجها، ولو قليلا، ان القسم الأعظم من هؤلاء ليس سوى ارهابيين متطرفين ، ينشرون الموت في المنطقة، ويبشرون سوريا بمصير ليبي. وكان من هذه التشكيلات"الجيش السوري الحر" ، الذي استضافته بلدان الناتو، واثبت مؤخرا جدارته في تحوله الى ذراع لجيش أردوغان في تدمير عفرين السورية.
لقد أدى تمادي الغرب إلى وضع روسيا في موقف – ليست بالضرورة مجبرة عليه– إلى التدخل بقوة في سوريا. لقد بلغ هذا الصراع منذ زمن طويل مرحلة لا يمكن فيها إسقاط الأسد إلا إذا تعرضت المؤسسة العسكرية الروسية في سوريا الى هزيمة قاسية. وهذا يتطلب بطبيعة الحال صداما شديدا مع روسيا، لا تستطيع الولايات المتحدة ولا الناتو تحمله. وقد يصبح الصدام مع روسيا أمرًا لا مفر منه.
ويأتي عدوان 13 و 14 نيسان ليؤكد إن الأمر كذلك. ومن الواضح إن الهجوم كان محسوب المخاطر ومحدود التداعيات.ولكن ترامب وماكرون فكروا بهجوم يتيح لهم التراجع، ويمكنهم من حفظ ما الوجه. وعلى الغرب إن يشكر مثل هؤلاء القادة الذين تحولوا اكثر فاكثر إلى عامل مخاطرة. فكان يراد لهذه الضربة العسكرية التسبب في أضرار، ولكن في الوقت نفسه ينبغي لهذه الاضرار إن كون محدودة. إن ما حدث لا علاقة له بتعامل استراتيجي، بل هو سعي نحو التأثير والمغامرة.

قوة عسكرية رائدة

حقيقة إن فرنسا تحاول إن تتلبس دورا رياديا في اوربا يتيح الاستنتاج التالي: اذا فشلت فرنسا في لعب دور قوة "اصلاح" في الاتحاد الأوربي، لان ما يجري في الاتحاد الأوربي لا يقترب من ما يروج له الرئيس الفرنسي، فإنه يجب أن يكون لها على الأقل، كما يريد ماكرون، مركز قوة تدخل عسكرية اوربية رائدة.ً وحقيقة إن الرئيس الفرنسي وجد فرصة في سوريا، كتلك التي وجدها الرئيس الفرنسي ساركوزي في ليبيا، والتي ادت إلى تدميرها.

طبيعة العدوان

إن هذا العدوان يمثل خرقا فاضحا للقانون الدولي. ولا تمتلك الولايات المتحدة اية ارضية لادعاء الدفاع عن النفس، ولا تبرير ضربة استباقية، لان هذا العمل الاجرامي حدث كسابقاته بدون تفويض من مجلس الأمن و يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي. وحتى حجة التدخل الإنساني لا تجعله متوافقًا مع القانون الدولي.
ان استخدام الأسلحة الكيميائية يتعارض هو الآخر مع القانون الدولي. ومن الضروري تأكيد هذا الاستخدام وعدم الاكتفاء بافتراضه. واذا ما علمنا إن نظام الأسد وحليفته روسيا كانوا يحققون نجاحات عسكرية تدريجية، في وقت أعلن ترامب فيه عن نيته سحب قواته من سوريا، فما الفائدة التي يتوخاها الأسد وبوتين في إثارة هجمات مضادة؟ إن الاحتمال الأكثر قربا للفهم هو إن ما حدث يخدم استمرار التدخل العسكري الأمريكي في سوريا.