منعت الكتل البرلمانية لليمين المتطرف واليمين التقليدي في البرلمان الاتحادي الألماني الاحتفال الذي كانت تنوي كتلة حزب اليسار تنظيمه في11 من الشهر الجاري،  في احدى قاعات البرلمان الرئيسة، بمناسبة الذكرى المئوية  لتأسيس الحزب الشيوعي في المانيا.

ومن المعروف ان الكتل البرلمانية تستطيع تنظيم فعاليات من هذا النوع في بناية باول –لوبه في البرلمان، حيث مكاتب اللجان البرلمانية، في حال موافقة جميع الكتل الممثلة في البرلمان عليها. ولقد كانت هذه الموافقات ذات طابع شكلي. وفي هذه المرة رفضت كتلة  حزب "البديل من اجل المانيا" اليميني المتطرف تنظيم الفعالية، استنادا الى منع نشاط الحزب الشيوعي في المانيا في سنوات 1919 – 1923، باعتباره "حزبا معاديا للديمقراطية" و"مخرب"، على حد تعبير نازييي المانيا الجدد. واعادو للاذهان ايضا قرارحظر نشاط الحزب، في المانيا الغربية، في عام 1956. ولهذا لا يريد اليمين المتطرف الاحتفال بمئوية حزب "شمولي وغير ديمقراطي". ويأتي هذا الموقف امتدادا لتقاليد اليمين خلال سنوات جمهورية فايمر، الذي وضع الحجر الأساس لصعود النازية، ولذلك لم يشكل هذا الموقف مفاجأة للجميع. ولكن الفضيحة الحقيقية تكمن في تبني حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم موقفا مماثلا. وبالتاي يعكس فهمهم الرجعي لمسارات التاريخ. وبالمقابل يحاجج حزب اليسار الالماني، ان الفعالية التي كانت ستنظم تحت قبة البرلمان تتعلق بحزب كان يملك كتلة برلمانية، وهو جزء من تاريخ المانيا البرلماني. وبالضد من ذلك يقف تحالف شرير، يتناسى التاريخ ومعاد للشيوعية.

الأهمية الراهنة للاحتفال

تمر هذه الايام الذكرى المئوية لثورة  تشرين الثاني في عام 1918 ايضا. لقد كان تأسيس الحزب الشيوعي في المانيا نتيجة لها، وجزء من جمهورية فايمار. وكان تأسيس الحزب امتدادا لسياسة السلام التي اعلنت، منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914. ان الموقف من الحرب والسلام ادى الى انشقاق الحركة العمالية. وليس من الضروري ان يتفق المرء مع جميع مواقف وعمل الحزب الشيوعي، ولكن الحقيقة التاريخية تقول ان الشيوعيين دفعوا اكبر ضريبة دم في سنوات مقاومة النازية. وتمت تصفية اعضاء الحزب المؤسسين روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنشت في 15 كانون الثاني 1919. ودافع الحزب عن الديمقراطية ضد انقلاب جناح السلطة اليميني في عام 1920، في حين ان اسلاف حزب "البديل من اجل المانيا" من اعضاء حزب الشعب القومي الالماني، وجميع قوى اليمين المحافظ كانت تريد تدمير جمهورية فايمار في وقت مبكر. ان الاتحاد الديمقراطي المسيحي لم يتجاوز بعد ذهنية العداء للشيوعية، علما ان القراءات المعدة، كانت تهدف الى تناول نقدي لجميع المناقشات التي دارت حينها، ان رفض اليمين التقليدي لتنظيم الفعالية، يعكس الانحدار الخطير، نحو اليمين، الذي تعيشه المانيا.

ان موافقة ادارة البرلمان على تنظيم الاحتفال يفرض عليها تعريف الرأي العام بفضيحة المنع. وعلى اليمين التقليدي الحاكم مراجعة تجربته التاريخية، والدور الذي لعبه حينها. وكذلك تعاونهم مع عودة رموز نازية معروفة الى مركز القرار في عهد المستشار كونراد اديناور بعد تأسيس جمهورية المانيا الاتحادية، ومنهم على سبيل، المثال لا الحصر هانز جوزيف ماريا غلوبكي، احد واضعي قوانين نورنبيرغ العنصرية في عهد هتلر، والذي شغل في سنوات 1953 -1963 منصب رئيس دائرة المستار(مكتب رئيس الوزراء). وبالتأكيد لا تحتاج احزاب اليمين الحاكم الى مساعدة اليسار لتعريفها بتاريخها، فهي تحفظه جيدا.

لقد اضطرت كتلة حزب اليسار الى نقل الفعالية الى قاعة سينما بابل في العاصمة برلين. واكدت شخصيات قيادية في الحزب، ضرورة استذكار  مسيرة الحزب الشيوعي في المانيا بنجاحاتها واخفاقاتها، لانها مهمة بالنسبة لليسار. ومن هنا يأتي السعي لتنظيم مناقشات واسعة للآراء الواردة في المحاضر، والتي تعود الى كارل رادك، كارل ليبكنشت، روزا لوكسمبورغ، باول ليفي، وكلارا زتكن.

واصدر الحزب الشيوعي الألماني (تأسس عام 1968) في غربي المانيا كخلف للحزب الشيوعي في المانيا، الذي لا يزال حظر نشاطه نافذا الى يومنا هذا، بيانا، عبر فيه عن احتجاجه على منع تنظيم الفعالية داخل بناية البرلمان الالماني، التي لم تثر استغراب الحزب. واكد الشيوعي الالماني، انه يلتزم بالتقاليد الثورية للشيوعيين، وخصوصا نضالهم ضد الفاشية. وان مسيرة روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنشت تدق ناقوس التحذير على الدوام. ودعا الحزب الى اوسع مشاركة في التظاهرة السنوية التي تنظمها قوى اليسار الالماني في 13 كانون الثاني 2019 احياء لذكرى استشهاد قادة ومؤسسي الحزب الشيوعي في المانيا. 

عرض مقالات: