رشيد غويلب
ضيّفت باريس الأحد الفائت 77 من زعماء العالم ، وصلوا اليها للاشتراك في استذكار أهوال الحرب العالمية الأولى ، التي انتهت في 11 تشرين الثاني 1918 ، اي قبل مائة عام، بعد التوقيع على الهدنة في غابة كومبيين في شمال غربي فرنسا.
واكد المحتفلون في شارع الشانزليزيه، لقرابة 18,6 مليون هم ضحايا الحرب من عسكريين ومدنيين، انهم "سيبقون اوفياء لهم ابداً". وبالتأكيد لم يغب عن بال المحتفلين، وخصوصا زعماء الناتو، ان عالم اليوم يعج بحروب لم تتوقف. وان مدنا تدمر يوميا في سوريا واليمن وافغانستان وبلدان اخرى.
في الساعة الحادية عشرة صباحا قرعت أجراس الكنائس في عموم فرنسا، استذكارا للإعلان عن نهاية العمليات العسكرية قبل قرن من الزمان. وفي كلمته امام الزعماء المحتفلين، الذين كان بينهم، ترامب، فلاديمير بوتين ، أنغيلا ميركل، بنيامين نتنياهو، رجب طيب أردوغان ، رآى ماكرون "بزوغ فجر عصر جديد في أوروبا والعالم". وفي المستقبل ، سيتم الاعتراف بان "الهيمنة" على الشعوب الأخرى "خطأ". ومن أجل الحرية والسلام ، "ستكون فرنسا دائماً الجندي المثالي". وأنهى الرئيس الفرنسي كلمته هاتفاً: "عاش السلام".
وكان ماكرون قد استقبل في قصر الاليزيه، السبت الفائت، نظيره الأمريكي ترامب، حيث كانت الخطط الجديدة للتسلح هي الأهم، وليس السلام. وبعد ان أثار ماكرون، في الاسبوع الفائت، استياء ترامب، لمطالبته بتشكيل "جيش أوروبي" ، اكد الجانبان في باريس، أن على الأوروبيين أن يستثمروا المزيد من الأموال لمواجهة التهديدات وتعزيز القدرات العسكرية لحلف الناتو. وفي تعليقه، الأحد الفائت، على الحوار بين الطرفين ، قال ماكرون: "أشارك الرئيس الأمريكي وجهة نظره حول القدرة الاستراتيجية لأوروبا، أوروبا التي تتحمل حصتها من العبء المشترك في حلف الناتو". وعبر ترامب عن سعادته: "سعيد بما قاله (ماكرون) حول تقاسم العبء، نحن نريد أوروبا قوية".
ويذكر ان جهود الرئيس الفرنسي قد فشلت في جمع الرئيس الامريكي والروسي في جلسة ثنائية، في حين نجحت جهود مماثلة في جمع الرئيس الأمريكي بالرئيس التركي اوردوغان، ومن الطبيعي ان يكون محور اللقاء، ملف تصفية النظام السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول.
وشارك جميع رؤساء الدول الزائرين تقريبًا في افتتاح "منتدى باريس للسلام" الذي يستمر ثلاثة أيام ، والذي افتتحه الرئيس ماكرون ، ومن المقرر عقده كل عام في العاصمة الفرنسية. وتحدثت في جلسة الافتتاح المستشارة الألمانية ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. ويهدف المنتدى ، وفقا لماكرون، إلى "إحياء ذكرى الحاضر بعد الحرب العالمية الثانية" ، وتعزيز التعددية في السياسة الدولية ، والتحذير بوضوح من مخاطر القومية والشعبوية. ولذلك ، لم يكن مستغربا أن يظل الرئيس الأمريكي ترامب بعيداً عن جلسات منتدى السلام.
والى جانب الاستذكار المركزي في باريس، استذكر العديد من بلدان العالم ضحاياه. ففي لندن شارك لاول مرة رئيس الجمهورية الألماني فرانك شتاينماير في وضع اكاليل الزهور على النصب التذكارية، وشهدت الهند واستراليا وبولونيا وبلدان اخرى استذكارات مماثلة.

معطيات لا تغيب عن الذاكرة

بلغ مجموع ضحايا الحرب العالمية الأولى ، 18,6 مليون، منهم 9,7 مليون عسكري و 8,9 مليون مدني. وفي فرنسا وحدها ، خلفت المجازر 600 الف أرملة وقرابة مليون يتيم. وتم تشويه قرابة 300 الف جندي ، وأكثر من 15الف عانوا من الاصابة والتشويه بالغازات السامة وانتهت حياتهم في دهاليز مظلمة. وتمت ابادة أكثر من نصف من تتراوح أعمارهم بين 20 و 25 سنة، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية والخراب البيئي.