رشيد غويلب
معروف عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عدم اخفائه مشاعره. وقد اعاد ذلك الى الأذهان وهو في الطريق من المطار الى فندق أدلون حيث اقام خلال زيارته لالمانيا. فقد لوح الى اتباعه بما يعرف بـ"تحية رابعة" نسبة الى مسجد رابعة العدوية في القاهرة، الذي شهد تفريق قوات الأمن المصرية تجمع الاخوان المسلمين بعنف مفرط، ما ادى الى سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف الاخوان. ومنذ ذلك الحين دأب اردوغان على استخدام هذا الرمز خارج تركيا، ليؤكد تعاطفه وتعاونه مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تشكل دعامة مهمة في سياسته الخارجية.
هناك ثلاثة عوامل رئيسية ميزت الدبلوماسية التركية في عهد أردوغان. الأول هو تمرده على حلفائه الغربيين، والذي تعود جذوره الى نهاية الحرب الباردة، فمنذ تفكك الاتحاد السوفيتي، فقدت تركيا صفة دولة المواجهة مع المعسكر الاشتراكي، وتحررت من رابط قوي كان يشدها للمعسكر الغربي. وفي الوقت نفسه، اتسعت دائرة التوترات مع الولايات المتحدة. وبدأ الغضب التركي عام 1991، مع اقامة الولايات المتحدة منطقة حظر الطيران على اجزاء واسعة من كردستان العراق، والذي اعتبرته انقرة، وفق قراءتها، عاملاً مهماً في اقرار الفيدرالية لاقليم كردستان في اطار عراق اتحادي، وهو ما يتعارض مع العقيدة العنصرية للدولة التركية الحديثة.
وفي عام 2003، ازدادت الخلافات بعد أن رفضت انقرة السماح للولايات المتحدة باستخدام اراضيها عند غزو العراق.. وأخيراً اضيف النزاع حول التعامل مع الأكراد السوريين. وتصاعدت حدة التوترات عندما احتجزت أنقرة قسًا أمريكيًا بشكل تعسفي، وفي المقابل فرضت إدارة ترامب عقوبات كمركية، ولايزال افق الخلافات بين البلدين مفتوحا. وقد ادى هذا التطور الى تقارب تركيا مع روسيا والصين، واصبحت منذ عام 2012 "شريك حوار" رسمي لموسكو وبلدان منظمة تعاون شنغهاي، التي تقودها الصين، وفي هذه الاثناء، وأخذ ينعكس هذا التقارب في مجال العسكرة والتسلح.
العامل الثاني في السياسة الخارجية التركية هو تعزيز التأثير في البلدان الاسلامية المجاورة او القريبة. وبعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات في عام 2002 مباشرة، بدأت أنقرة في الترويج لشركاتها في سوريا والعراق وشمال أفريقيا والبوسنة والهرسك في جنوب شرقي اوروبا، والربط بين النشاط الاقتصادي وبين تعميق تأثيرها السياسي والثقافي. الامر الذي دفع نقاد اردوغان الى الحديث عن احياء الحلم العثماني بثوب جديد. وشكلت الاختراقات التي حققتها جماعة الاخوان المسلمين في عام 2011 في مصر وتونس، والى حد ما في ليبيا، منطلقا لتعزيز وتعميق التعاون التركي مع الجماعة. ولا يعود هذا الى التماثل الايديولوجي الذي يجمع الطرفين فقط. ففي سوريا، دعم اردوغان بقوة جميع القوى الاسلامية، بما في ذلك المنظمات الارهابية، سعيا لاسقاط نظام الاسد، وقطع الطريق على اقامة بديل ديمقراطي. وشكل الصراع في سوريا مناسبة للقاء جديد بين الولايات المتحدة وتركيا، وكذلك تعزيز التحالف التركي – القطري، الذي جسده اخيرا الوعد القطري، باستثمار 15 مليار دولار لاخراج تركيا من ازمتها المالية والاقتصادية. ومعروف ان قطر هي البلد الوحيد في المنطقة، الذي لايزال يتبنى علنا دعم الاخوان المسلمين وتوفير الحماية لقياداتهم.
العامل الثالث هو توجه اردوغان القومي العنصري، الذي يجسده التعاون الصريح بين حزب العدالة والتنمية الاسلامي، والحركة القومية المتطرفة (فاشيون اتراك). ويمكن رؤية ذلك بوضوح في الغاء عملية السلام مع الحركة التحررية الكردية، واعتماد العنف والقتل الجماعي في المدن الكردية، واحتلال مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية في سوريا. وهذه السياسة تتناغم مع اهداف المنظمات الفاشية التركية، وتأخذ في الاعتبار متطلبات السياسة التركية في آسيا الوسطى.
ففي الآونة الأخيرة يكثف أردوغان جهوده في منطقة آسيا الوسطى. وفي هذا السياق جاءت زيارته الرسمية إلى قيرغيزستان، حيث حضر افتتاح دورة ألعاب رياضيةعالمية، وشارك في اعمال المجلس التركي الذي يضم مجموعة البلدان التي تتحدث غالبية سكانها لهجات تركية. وهي تشمل تركمانستان وكازاخستان وقيرغيزستان. ويحلم القوميون الاتراك المتطرفون بتوحيد هذه البلدان في دولة "تركستان العظمى" التي تصل حتى مدينة شينجيانج الصينية الغربية. لذلك فليس مصادفة ان يرد انصار اردوغان في المانيا على "تحية رابعة"، بتحية منظمة "الذئاب الرمادية" التركية الفاشية..