كيف يدخل المؤلف إلى العالم؟ هل يدخله من خلال النماذج الشخصية المعبرة عن الفئات والطبقات الإجتماعية وهو ما يجعله أكثر ارتباطًا بحركة المجتمع؟ أم يدخل المؤلف العالم من خلال التاريخ، الاحداث التي جرت والمتغيرات التي حدثت في الواقع المعبر عن العالم؟ أم يدخله من خلال الأسلوب الفني باعتبار أن حياكة النسيج الفني لحدث ما؛ تعني أسلوبًا لفهمه والتمكن من نسجه وفق آلية فنية حديثة؟ أم يدخل المؤلف العالم من خلال الإيديولوجيا، اي البناء الفوقي لحركة المجتمع وتطوره، وبالتالي يكون منتميًا لفئة مهيمنة أو فئة هامشية تعبر كل فئة عن موقعها الاجتماعي؟ أم لا هذا المدخل ولا ذلك، فثمة مداخل أخرى تبدو أنها غائبة عن وعينا الفني؛  منها،  الإثني، أي الجماعات المنحدرة من عرق اجتماعي ولغوي واحد، وهو مدخل يعيد التاريخ إلى آليات التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأولى، أو قد يدخل المؤلف العالم من خلال الأنثروبولوجيا، خاصة في ميدانها الثقافي والاجتماعي، وهو الأقرب للتعرف على تقاليد وعادات شعوب عديدة صنعت عالمها الخاص، وكونته عبر تراكم المعرفة فيه، وبالتالي انتجت ثقافة وتقاليد واعراقًا يمكن أن تكون صالحة لدراسة شرائح عديدة من هذا العالم، وقد يدخل المؤلف العالم من خلال الميثولوجيا خاصة الأساطير والثقافات الدينية القديمة، والكيفية التي نظَّم الإنسان مجتمعه وقضاياه وأفكاره وتصوراته عن الكون والطبيعة والإنسان، عن الغيب والمختفي والمعلن، عن الأرض والكواكب، عن الامطار والنار والرياح والماء والبحار، عن العيش والحياة والموت والطقوس والعبادات،...الخ. فكل شريحة من هذه المكونات قادرة أن تفتح أكثر من نافذة على عالمنا المعاصر بعد أن تتجذر تكويناته في تلك الجذور الميثولوجية والدينية والأسطورية والإجتماعية. وهناك مداخل أخرى، كالمدخل اللغوي وجذور اللغات المتشابكة، ومدخل  الصناعات والزراعات المختلفة، وكيفية تطور إنتاجها، وثمة مداخل يخترعها المؤلف نفسه فيما يمكن عده اجتهادًا أو تصورًا كافيًا لفهم العالم، كما المدخل القضائي والمدخل التراجيدي والمدخل الكوميدي والمدخل الفلسفي وغيرها.

  سقت هذه الفرشة من المداخل لأضعها أمام المؤلف كي يبتعد عن أن يضع ذاته بديلا معرفيا عنها، فالذات المؤلفة ليست إلا "الأسطة" بمفهوم "البناء" اليوم، يجتهد في اختيار الآجر الملائم لبناء بيته "نصه". فما بدأت به هو من أجل أن  اوضح ان عالمنا بلا أبواب مغلقة، كما أنه ليس له نوافذ تطل على داخله فقط، بل تطل على عوالم حقيقة ومفترضة، عوالم اخرى وليست للعوالم  المفترضة مجسات تتحسس بها ما يحدث في عالمنا، إذا لم نتوجه إليها، فالعالم الذي نعيشه هو عالمنا، ومهما كتبنا عنه وصورناه وجسدناه، فهو لا يتبدد ولا يتوقف عن توليد نوافذ جديد للقولة، ومن هنا تأتي طاقة المؤلف لإيجاد الأرض المنبتة للأفكار، فقد تكون ارضًا ببلدان، كما يفعل أدباء مهاجرون،  وقد تكون الأرض مساحة لبيت في الضاحية، وقد تكون كوة في كهف الحياة المؤطر بين الولادة والموت.

  الجدير بنا أن نتفهم أن دخول المؤلف إلى العالم لا تتم بطريقة أحادية، لابد من اعتماد  طريقتين متضادتين، والى جوارهما طريقة ثالثة أشبه ما تكون بالطريقة المراقبة لحيثيات الصراع بين الطريقتين، عندئذ يمكن أن نضع قدر الأحداث على موقد ثلاثي البنية.

عرض مقالات: