لي عدو أعرفه تماماً. خصم شديدُ العداوة والخصام ويدبر لي المكائد، وكلما كررت عليه، حمل عليَّ وانقضّ هو الآخر. أظنه يدرك ذلك ويعرفني أيضاً. لم أستخف به يوماً، ولم يزدريني هو الآخر، كلانا لم نهزأ ببعضنا، بيننا "صحبة" قديمة.

 أنا و"عدوِّي الصَفِيّ" نشبه أسد بابل، أنا الذي أعتليه، وهو يقبع تحتي، لكنني أنا المهزوم دائماً وهو المنتصر!

 هكذا، من وسادتي الآن أتحسس ذلك، وتتابع عيناي أثراً نتج عن حركة أول نقطة في مسار طوليّ باتجاه السقف. لم يترك لي "عدوي الحميم" سوى أفق وحيد هو سقف مربع أراه طيلة النهار وأحصي كل ندبة فيه، أتابع اهتزاز النُجَف المعلقة به وأبتسم لكل مصباح معلق بها.

  في الليل "ينام" السقف، تختفي كل ملامحه، فتتكفل شاشة البلازما بفتح أفق متخيَّل أرى من خلاله "الخارج"، الآخر الذي أراه ولا يراني، أتعرف عليه، لكنه لا يأبه بي. أنا هنا على السرير، وهو هناك في الخارج. 

 يقال ان للعداوة ألف سبب، لكنَّ عدوي الودود لم يعد مجرد كينونة سلبية تمثل خطرا، ولم تعد ثمة اختلافات جوهرية بيننا، اختط هو سيادة النمط العدائي العنيف، واخترت أنا المنازلة مردداً: "عزلتي أنسي". أيّ أنس؟

 ترى لماذا يجتاحني كل هذا العناد إزاء هزيمة؟ أ لأنني مهزوم بالفطرة من عدوي؟ أم لأن الهزيمة تركت كل أسئلتها في رأسي وانتصرت؟ لا يمكن لي إلا أن أتساءل، فمن المحال أن أفقد حتى تساؤلي. كان يجب أن أتساءل في كل لحظة، وربما كان ذلك هو خياري الوحيد الذي تركه لي عدوِّي.

 أمس، لصقتُ وجهي بالوسادة وشعرت بأن انسلاخي المفروض من الخارج كان قاسيا. ظل كل شيء هناك بلا حلول، واقتلعت منه أنا العاطل عن الحياة لأواجه مصيري وحدي، بينما ظلت صور المنازلة تتعاقب إلى الوراء، وها نحن نتهيأ لاستضافة نهارات وليال ما زالت مخبأة في تلك المنازلة.

 أنا على يقين أن أشياء عديدة ما زلت أجهلها عن "صاحبي"، كل ما قاله لي الطبيب ان عدوك هو وسادة مطاطية تمردت على فقرتين في عمودك الفقري وخرجت.. أنت مصاب بألم الديسك. انزلاق غضروفي حاد و.... قديم!

 ما زلت أردد الآن: حسنا لقد انقضى يوم آخر وسآوي إلى النوم، أعني العزلة، لكنَّ هذا الشعور الذي تكرر مراراً، لا يعني أن عدوي مات ولا يعني أبداً أن لعبتنا انتهت.